العذراء كهيكل لله
في العهد القديم، عندما استلم موسى الوصايا الإلهية على جبل سيناء وكانت مكتوبة على لوحين حجريين، صارتْ هذه الكلمات المنقوشة على لوحين حجريين، هذه الوصايا العشر، صارت بمثابة كلمة الله وخطابه للبشر . وكانت تمثّل إرادته . وكانت تعبّر عن حضوره بينهم . لذلك حلّت محل الله مباشرة . وبنى الناس لله هيكلاً . وكان آنذاك هذا الهيكل متنقلاً مع الشعب المترحّل من مكان لآخر. لذلك وضعوا هذين اللوحين في صندوق، أو" تابوت ". وهو عبارة عن بيت خشبي، كما وشحوا هذا التابوت بالذهب، وحول التابوت نصبوا رسوماً للشاروبيم والسارفيم .وكانوا يضعونه في خيمة ترافقهم .
وكانت هذه الخيمة التي فيها التابوت مع لوحي العهد هي الهيكل في العهد القديم . وكان الشعب يحمله معه في مسيرته وكان مجداً للكهنة وملجأً لهم في الحروب . يتقدمهم ويأخذون منه العون الإلهي. ولما استقر الشعب في أرض كنعان، كان هذا الهيكل، أي هذه الخيمة، هي كنزهم والمجد لهم، فتقاسموه بين أسباطهم، وكانوا ينقلونه فيما بينهم .
ما كان صوراً ورسوماً صار حقيقة . الهيكل هو المكان الذي يحضر فيه الله ويلاقي الإنسان . وهكذا كل الهياكل حوت داخلها حضرة الله، أو كلمة من كلمات الله، أو عشرة منها . ولكن الهيكل الحقيقي والمتنفّس والمصنوع من بشرة إنسانية وليس من طبيعة حجرية، كانت العذراء مريم التي لم تحوِ وصايا الله بل حوت الله ذاته .
ولهذا صارت العذراء أيضاً قديسة أسمى وأقدس من قدس الأقداس الذي في الهيكل حيث كان تابوت العهد .
فالعذراء هي الهيكل الحي وهي الأقدس من قدس الأقداس لأنها حملت الكلمة ذاتها . والعذراء هي تابوت عهد الله موشح، ولكن ليس بالذهب المادي، وإنما كان مذهباً بالروح القدس الذي ظللها وحلّ فيها .
العذراء هي كتر لا يفنى، إنها تابوت العهد الذي يفوق تابوت العهد القديم بكثير . فهي كتر لا يتقاسمنا عليه أحد، ولا يُفقَد كما فُقد التابوت في العهد القديم أثناء السبي .
إنها الهيكل الحقيقي وتاج الملوك وحمايتهم الحقيقية، بشفاعتها التي لا تُرَد. العذراء إذن هي سور لا ينهدم وبرج للكنيسة لا يتزعزع .
بالعذراء يقوم الظفر ويسقط الأعداء الروحيين .
في العهد القديم كان الهيكل الحجري يحوي كلمات الله –الوصايا . وكان ذلك تمهيداً ورسماً عما سيتحقق في البتول، التي هي الهيكل الحي والتي حوت الله ذاته . هناك سمع الناس كلمات الله وهنا تصرف الناس مع الله . هناك الهيكل كان يحوي كلمات عن الله . وهنا يحوي الله ذاته .
بولس الرسول يعمم الهيكل على الناس جميعاً . ويقول: " أنتم هيكل الله الحي ". وهذه حقيقة نحياها وتتحقق فينا بالمناولة وبالنعم الإلهية المعطاة لنا في الكنيسة . لذلك نحن نتابع تحقيق ما أراد الله تحقيقه في العذراء . وبحسب بولس الرسول علينا إذن أن نكون هياكل نظيفة طاهرة وشريفة .
العذراء هي الهيكل الحي الأول . قبل العذراء كانت الهياكل حجرية . من العذراء بدأت الهياكل تصير بشرية. فالعذراء هي الهيكل الأول والجميع بعدها يقتدون بها فيصيرون هيكل مثلها لكلمة الله. وهذا يقتضي أن نكون عذارى النفس وطاهري القلب وأنقياء بالحواس والأعمال وفي كل تصرفات الحياة . آمين