هناك الكثير من امثلة وتعاليم في الكتاب المقدس عن الجهاد في المسيحية
حيث ربط الجهاد بالايمان وحياة القداسة والطهارة والحب لكل الناس حتى الاعداء .
ان الجهاد في المسيحية معناه الجهاد ضد الخطية والجهاد من اجل المحبة ،
الجهاد للوصول الى السلام الكامل الداخلي مع الله والناس .
انه الجهاد الذي يصل بالانسان الى حياة الالتصاق بالله والحب والنقاء والصفاء
اذا الجهاد في المفهوم المسيحي يتميز بأن له معنى خاصاً،
وهو خطوة من خطوات السمو الإنساني ودرجة من درجات الارتقاء،
ليس فقط في الحياة الروحية بل التحضر والرقي، ولمعرفة وتقييم هذا الأمر
يكون مصدر القياس هو النصوص الواردة بالوحى عن الموضوع.
وقد وردت الكلمة بكل مصادرها تقريبا 22 مرة بالكتاب المقدس بعهديه،
وسوف نكتفي بأن نركز على أربعة نقاط نرى أنها تعتبر الركائز الأساسيه
للجهاد في السلوك المسيحي:
1-
العدو من هو؟.. ومع من تكون الحروب؟..
في الرسالة إلى أهل أفسس نجد هذه الكلمات الواضحة:
"فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين،
مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات
" (أف 6 : 12) ففي الفكر المسيحي الشيطان هو العدو، هو عدو الله والمؤمنين
وعدو الإنسان أيضاً، والشيطان هو مصدر فكر العداوة والكراهية والحروب
والقتل عندما يتسلط علي الإنسان. راجع رسالة يعقوب (4: 1 – 3)
فتجد إجابة واضحة عن سبب الحروب والخصومات والقتل، وفي بشارة يوحنا نقرأ
"أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء" (يوحنا44:8 )
فقتل الإنسان هو عمل إبليس، لذا لا نسمع تعبير أعداء المسيحية أبداً
عبر الكتاب المقدس أو فى التاريخ الكنسي ولا عداوة بين المسيحي
وأي إنسان حتى الذي يضطهده وأدوات الحرب التي يعرفها المسيحي ليست
هي الأسلحة الزمنية
التي نعرفها في معارك اليوم بل الفضائل الأخلاقية هي أسلحة النور
التي يتسلح بها جند المسيح.
2- الجهاد ضد الخطية..
ولأن المسيحية رسالة حقيقية من عند الله والله قدوس
وطبيعته كما هو معروف روح فالجانب الروحي هو الهدف الأساسي
في رسالة الوحي المقدس، لذا نقرأ هذه الكلمات:
"ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" ثم يوضح نوع هذا الجهاد:
"لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطيئة" (عب 12 : 1 ، 4)
وعبارة (حتى الدم) هنا تعني وإن أدى الأمر للموت بسبب رفض الخطية)
مثل ما حدث ليوسف الصديق. فالجهاد المقصود هو البذل في سبيل الطهارة
والنمو في العلاقة مع الله القدوس ومحاربة نوازع النفس الأمارة بالسوء
والجانحة لعمل الشر، إنه الجهاد للانتصار على ضعفات الجسد والشهوة البغيضة
بكل أنواعها والانتصار على العداوة مع الله والنفس والآخر، وامتلاك قوة المحبة.
3- الجهاد للنمو في الحياة الروحية..
(الصلاة – قراءة الكتاب المقدس – الخدمة)
والمسيحية ديانة القلب وليست ممارسات الطقوس والفرائض وتكرار الكلام
كالببغاوات أو تكرار الكلام باطلاً في مظهرية واستعراض.
ففي سفر التكوين نجد قصة يعقوب الشهيرة وجهاده وصلاته (تك 32: 28)
وأيضاً يقدم لنا السيد المسيح له المجد نموذجاً للجهاد في الصلاة (لو 22: 44)،
ولعدم الإطالة جهاد الخدمة، فيقدم الرسول بولس تقريره الختامى عن خدمته قائلاً:
"جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان" (2 تيموثاوس 4: 7)
وهو يوصي تلميذه تيموثاوس أيضاً بأن يسلك مسلكه الجهادي بنفس المفهوم:
"جاهد جهاد الإيمان الحسن" (1 تيموثاوس 6: 12)،
ولمعرفة وصف الجهاد في الجسد .
راجع (الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 23 – 33).
4- جهاد الكنيسة..
وعلى نفس السياق يكون جهاد الكنيسة الواجب عليها،
فهى مطالبة بأن تتم عملها الروحي كما حدده الله تحت أي ظروف ويتلخص في الآتي:
(1- التبشير 2- التلمذه 3- الشركة 4- التعبد.)
وهي مطالبة بعدم التوقف عن أداء رسالتها متخطية كل المعوقات
والعقبات سواء سياسية أو أيدولوجية حتى تسمع النداء "نادوها بأن جهادها قد كمل"
(إشعياء 40: 2) فيأتي المسيح وتُرفع الكنيسة من العالم الشرير
وينتهي اضطهاد شعب الله. الإعلان المسياني عن الجهاد..
يتجلى المشهد في الحقبة الختامية لحياة السيد المسيح على الأرض،
عندما جاء الرومان بإيعاز وتخطيط من اليهود للقبض عليه لصلبه،
فنرى بطرس الرسول يستل سيفاً ويقطع أذن أحد الجنود الذين ينفذون مهمة
القبض فيتجسد سلطان اللاهوت ويعيد السيد المسيح الأذن المبتورة مكانها
وخاطب بطرس قائلاً:
"رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون!..
أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟"
(متى 26: 52، 53 )
مملكتي ليست من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم،
لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود"
(يوحنا 18: 36)
ومن هذا نرى أنه لا يوجد أي نصوص دينية بالعهد الجديد
تنادي بأي نوع من الجهاد المسلح أو تكوين الجيوش الجهادية كما في أديان أخرى.
وإن كان قارئ الكتاب المقدس يجد بعض الكلمات أو التعبيرات الجهادية مثل
(جند الرب أو رب الجنود أو الحروب)
فكلها لا تخرج عن المفهوم الذي تمت صياغته،
إلا أن هناك تعبيراً يستعمله بعض المسيحيين وهو الحروب الروحية..
وهذا الموضوع قديم جديد بمعنى أن الموضوع عقائدياً متفق عليه
ولكن يختلف أسلوب الممارسة من فريق لآخر كل بحسب فهمه للنصوص الكتابية،
ولكن الأمر كله لا يخرج عن المفهوم الروحي والممارسة العبادية،
لكن من المؤكد أن الغالبية من غير المسيحيين في مجتمعنا إذا وصلت أذهانهم
وأسماعهم بعض الترانيم أو العظات التي تحتوي على عبارات الأعداء
والحرب والانتصار والدم..الخ
سوف تفهم الأمر بطريقة خاطئة لعدم فهمهم ايدلوجية
الفكر المسيحي، إلا أن الدارس النقدي يكتشف خطأ هذا الاعتقاد،
والأمر لا يتعدى فهم و ممارسة روحية خالصة
وهو أن مملكة الظلمة التي هي مملكة إبليس هي العدو الذي تجب محاربته
وذلك من خلال قوة دم المسيح المنتصر على الصليب بالقيامة وبقوة الروح القدس،
وطبيعي أن الإنسان العادي الذي تسيطر عليه الثقافة المادية
وتأسره موجة العنف الديني سوف يصعب عليه فهم أو استيعاب
هذا المعتقد الروحي لمفهوم الحرب الروحية لأن مفهوم الجهاد ينحصر
لديهم في الجهاد المسلح بكل أنواعه وأسلحته ويصبح من المنطقي
عدم فهم هذا المنظور المسيحي حيث أن المادية هي منطق إيمانه وحدود قدراته.
|