الوطن نعمة قلّما نلتفت إليها وإلى قيمتها الحقيقيّة
ويدلّ على ذلك ممارساتنا بحقّ وطننا
وهو مريض وبحاجة إلينا.
قد نكتشف أهمّيّة لبنان وقيمته الوجوديّة يوم نفقده
ويتحوّل إلى ذكرى في تاريخ البشر،
فنعود ونندم على ما فعلنا بعد أن يكون الوقت قد سلّط سيفه علينا
والسنون قد أفلتت من بين أيدينا وسارت بنا إلى حيث لا نعلم.
مأساتنا في لبنان أنّنا لم نتربَ على محبّة الوطن
بل على محبّة الزّعامات الطّائفيّة والسّياسيّة
ولم يكن يوماً انتماؤنا للوطن أوّلاً
وإنّما للحزب السّياسي وللطّائفة.
وعلى الرّغم من كلّ سنوات الألم والوجع ومآسي الحرب وويلاتها
لم نتعلّم الكثير ولعلّنا لم نتعلّم شيئاً
بل ما زلنا نسير قدماً نحو المذهبيّة والطّائفيّة،
والالتفاف حول سياسيّين شاركوا في قتلنا طيلة سنوات
ويقتلوننا اليوم باسم الحفاظ على لبنان.
هؤلاء الّذين يغذّون فينا روح الانقسام والنّقمة ويرسّخون في أذهاننا
نزاعات وخلافات لا تبني أصلها إلّا في مخيلتنا.
نحن شعب يمكنه أن يتعايش بكلّ اختلافاته وتنوّعاته
إلّا أنّ هناك من يريد أن يبقى مستحكماً ومتسلّطاً فيزرع الانقسامات.
ألا يمكن أن ننظر برهة إلى الماضي ونتعلّم منه ولو درساً واحداً احتراماً
لمن رحلوا عن عالمنا ملقّبين بشهداء وهم ضحايا غدرتهم
خدعة الدّفاع عن الوطن والتهمتهم بدعة القضيّة فأودت بحياتهم؟
لعلّنا الشّعب الوحيد الّذي يستطيع أن لا يقع في فخّ الانقسام
لأنّ الزّمن أوجعه حتّى جرحه وعنّفه حتّى قتله.
ألا يمكن أن نتخلّى عن كلّ ما يؤول إلى شرذمتنا
ونخاف على لبنان ولو لمرّة واحدة؟
إنّ الخطر يحيط بنا بل يسكن بيننا وينتظر توقيتاً معيّناً
حتّى يستحكم بنا ويخنق لبنان ويستبيح ثقافته وحضارته وقيمة وجوده.
إن فقدتم لبنان هذه المرّة لن تتمكّنوا من استعادته،
وإن غرقت ثقافته في بحر الظّلمات
فلن تجدوا بديلاً عنها أينما ذهبتم.
لا تعوّلوا على من يمسكون بزمام السّلطة،
فما يهمّهم مصالحهم الشّخصيّة حتّى ولو كانت في فم الشّيطان.
كما سلّموا لبنان بالأمس لأيادي الموت
سيسلمونه اليوم ولن يتردّدوا للحظة.
وكما وعدوكم بالأمس أنّ الغد أفضل،
ثمّ سحرتهم فتنة السّلطة وامتلكهم المال والفساد،
يعدونكم اليوم أنّهم مهتمّون بتحمّل مسؤوليّاتهم وهم كاذبون.
بالأمس طلبوا منكم أن تثقوا بهم ووثقتم فشاعت الفوضى
وتلاعبوا بالقوانين وانتهكوا حرمة الدّستور،
واليوم ومن شدّة إهمالهم وتراخيهم
يسلّمون لبنان بكلّيّته إلى الموت ويلهثون خلف هذا وذاك
ليلملموا فتات الدّنانير المتساقطة عن موائد أسيادهم.
بالأمس انهمرت عليهم الهبات والمساعدات لتغذية الاقتتال الأهليّ
واليوم، وحده الله يعلم ما هو ثمن هبات جديدة
تمنح لنا تحت شعار
" الحرب على الإرهاب".
لبنان، هذا البلد الصّغير بمساحته والكبير بحضارته وثقافته
الّتي لا مثيل لها في هذا الشّرق،
يستحقّ منّا أنّ نتضامن ونلتفّ حول بعضنا البعض
حتّى يستعيد بهاءه وجماله وقدسيّته.
لبنان يبقى بأبنائه طالما أنّ سماءه
سقف بيتهم وترابه منبع خيراتهم.
لبنان ينتظر منّا دمعة ماء كي يبقى حيّاً،
وبسمة أخوّة كي يتحدّى المخاطر،
ونبضة سلام كي يبقى لبنان أرض المحبّة والسّلام.