المضايقات بالنسبة لمؤمن ليست مجرد علامة وسط علامات كثيرة لمجيء السيد،
إنما هي المناخ الحيّ الذي فيه يتجلى الرب المصلوب داخل القلب.
فالضيق هو قبول صليب ربنا يسوع المسيح ليُعلن ملكوته داخلنا.
الضيق ليس بالأمر العارض في حياة المؤمن
لكنه يلازم المؤمن على الدوام حتى يعبر من هذا العالم كما من الضيقة العظيمة..
هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ،
وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ.
سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 7: 14.
هذا ما أعلنه لنا الرب بوضوح، وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس:
نطق بهذا لكي بسماعهم عنه يستعدون لاحتمال الاضطهادات
والشرور بصبر عظيم
ويلاحظ في هذا الحديث الإلهي الآتي
أولًا:
يقول الرب: انظروا إلى نفوسكم، بمعنى آخر مهما اشتدت الضيقة،
وأيا كان مصدرها سواء من أصحاب سلاطين كالولاة والملوك
أو من المقربين جدًا كالآباء والأبناء أو الإخوة فإن سرّ القوة
أو الضعف يتوقف على أعماق النفس الداخلية.
إن نظرنا بالإيمان إلى نفوسنا الداخلية نجد فيها رب المجد مالكًا
بمجد داخلي وبهاء فلا تستطيع الضيقة أن تجتاز إلى نفوسنا بل تبقى في الخارج!
يمكننا أن نقول إن انفتحت بصيرتنا على السماء الداخلية
لا تقدر الأرض بكل خداعها وإمكانياتها أن تلحق بنا،
بل يرفعنا الروح القدس فوق التراب
ويحملنا أعلى من التيارات الزمنية ويحفظنا في سلام إلهي فائق
ثانيًا:
إن كان الضيق يحل بالضرورة،
فالكرازة بالإنجيل أيضًا لن تتوقف.
وكأن ربنا يسوع يطمئننا أن عمل الله على الدوام يُقاوم،
لكنه بالمقاومة يزداد قوة ويتجلى بأكثر بهاء
ثالثًا:
يتحول الضيق إلى شهادة للمضايقين أنفسهم،
ففيما يحسبون أنهم قادرون أن يكتموا صوت الحق بالسلطان الزمني والعنف،
إذا بالحق يتجلى أمامهم، ويزداد صوته وضوحًا في فكرهم.
هذا ما رأيناه حين أراد هيرودس أن يكتم أنفاس القديس يوحنا المعمدان،
فصار صوت يوحنا يدوي في أذنيه حتى بعد استشهاده
رابعًا:
إن مصدر الضيق الحقيقي ليس البشر، وإنما الحرب القائمة بين الله وإبليس،
لهذا يليق بنا ألا نهتم بما نتكلم به، بل كما قال السيد:
لستم أنتم المتكلمون بل الروح القدس.
روح الله هو قائد الكنيسة الذي أرسله الابن الصاعد إلى السماوات
من عند أبيه ليتسلم تدبير الكنيسة وقيادتها