في الخلاص أيضا
من رسالة بطرس الرسول الأولي أصحاح 4
18 وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران
19 فإذا، الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، فليستودعوا أنفسهم
- كما لخالق أمين -
في عمل الخير
تحدثنا كثيرا عن الخلاص ورأينا أن البعض يتكلمون عن الخلاص
ويرددون كلمة خلاص دون أن يعرفوا معناها وإلى ماذا تشير
ورأينا واتفق الكثيرون أن التعريف الأرثوذكسي
للخلاص هو التعريف الأدق .
والتعريف الأرثوذكسي للخلاص هو عمل أو مجموعة أعمال إيمانية
يقوم بها المؤمن سعيا وراء خلاص نفسه .
والتعريف الأرثوذكسي للخلاص لم يأت جزافا أو عابرا
على لسان أحد الآباء بل هو ناتج خبرة الكنيسة الأرثوذكسية
ولمئات من السنين وها هو الرسول بطرس يؤيد بقوة هذا التعريف .
يقول الرسول بطرس :
18 وإن كان البار بالجهد يخلص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران .
وهنا نجيب على من يدعي الخلاص
أنه يأتي في لحظة وأن تبييض القلب يتم بمجرد صلاة قصيرة
يطلبون فيها الخلاص فينالونه على الفور .
حتى الإنسان البار لا يخلص إلا بالجهد
أي يحتاج حتى البار لمشوار طويل من الجهاد الروحي
للوصول للهدف الأسمى وهو الخلاص .
نعيد هنا للفائدة تعريف الخلاص وفق المفهوم الأرثوذكسي .
الخلاص :
هو الاتحاد بالله
هذا هو التعريف وهو بسيط مؤلف فقط من كلمتين
ولكن التطبيق العملي لهاتين الكلمتين قد يكلف المؤمن مشوار حياته
كلها لنلاحظ قول الرسول بولس في قرب انتهاء خدمته ماذا يقول :
فَإِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ.
قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ،
حَفِظْتُ الإِيمَانَ، 2 تيموثاوس 4 : 7
8 وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ،
الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ،
وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا.
ومن هنا نرى ونؤكد إن الخلاص في لحظة هو ضرب من المستحيل
وهو خداع خطير للناس اللذين يظنون أنهم خلصوا
وهم في الحقيقة أبعد ما يمكن عن الخلاص .
فليتيقن كل من يخضع لهذه التعاليم المغلوطة والمنافية
ليس فقط لتعاليم الكنيسة بل هي منافية لكلمة الرب .
فمنذ القرون الأولى للمسيحية انتبه الآباء القديسون لهذا الأمر
وعلى أساسه ظهرت الرهبنة في الشرق والغرب
فالراهب في مفهومنا هو شخص مؤمن عادي لا يحمل أي درجة كهنوت
بل هو يسعى لخلاص نفسه بالجهاد الروحي ليصل لخلاص نفسه
فظهرت حياة التوحد والنسك وظهرت بعدها الحياة الرهبانية المشتركة
حيث ساهمت الأديرة بل وتساهم حتى اليوم لبث رسالة الخلاص الحقيقية
من خلال زيارة الناس للأديرة ومراقبة الحياة الروحية للرهبان أو الراهبات
بل يصل الوضع لأكثر من ذلك حين يجد كاهن أو مؤمن نفسه بحاجة للخلوة
والصلاة أن يلتحق بأحد الأديرة لبضعة أيام يعيش فيها قانون الدير
من صلاة وصوم وسهرانيات مقدسة ليعود بعدها إلى عمله منتعشا
بما رآه وعاشه تلك الأيام المباركة التي قضاها في الدير .
الجهاد الروحي لا يقتصر على الرهبان والراهبات
بل يتعداه لجميع المؤمنين أيا كانوا فالجهاد الروحي يتضمن
تأكيد الإيمان أولا بسر التجسد الإلهي أي ظهور الله في الجسد
والثاني الإيمان بسر الفداء على الصليب ثم تأتي ثمرة هذا الجهاد
وهي الأعمال المرافقة والتي هي ثمار هذا الإيمان وأعني بهذا الصوم
والصلاة وممارسة الأسرار المقدسة في الكنيسة وخصوصا سر التوبة
والاعتراف والافخارستيا المقدسة ومسحة الزيت وتتضمن أيضا السهر
والتضرع في كل الأوقات ومن الضروري أن يكون لكل مؤمن أب
روحي يختص بتعليمه وإرشاده ووضع قانون صلاة يومي يمارسه
المؤمن يوميا وتتضمن أعمال الخلاص أيضا أعمال البر
والرحمة كزيارة المرضى والصدقة والمحبوسين .
يمارس المؤمن هذه الأفعال الإيمانية والتي يتفرع منها أيضا
حركات إيمانية كرفع اليد والركوع والسجود والدموع أيضا
والتأكيد على حور الصلوات والاجتماعات الروحية وقراءة كلمة الرب والمزامير أيضا .
ويبقى المؤمن مجاهدا بكل هذا حتى يصل لما وصل إليه
الرسول بولس حين قال :
فَإِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ.
قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ،
2 تيموثاوس 4 : 7
8 وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ،
الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا.
بهذا يصل الإنسان لغاية حياته وهي نوال الخلاص
أي الاتحاد بالله وحينها فقط تنفتح له الحياة الأبدية
ويعيش في ظل الرب خالدا وإلى الأبد .
آمين
الأيقونة المرفقة هي للقديس جيراسيموس الأردني كثير الجهاد