روعة وجمال السرير
_ يوحنا ذهبي الفم
"ويل للمستريحين في صهيون ...
المُضطجعون على أسرة من العاج والمتمددون على فرشهم والآكلون
خرافاً من الغنم وعجولا من وسط الصيرة، الهاذرون مع صوت الرباب .. ،
الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدَّهنون بأفضل الأدهان"
(عا 6: 4-6)
نوم على أسرة من عاج!!!
أيوجد شيء أسوأ من ذلك العبث؟!
الخطايا الأخرى كالسكر والجشع والتبذير قد تقدم بعض اللذة
– ولكنها ضئيلة –
أما النوم على أسرة من عاج فما اللذة في ذلك؟
أي راحة في ذلك؟
فجمال السرير لا يجعل نومنا أكثر عذوبة أو أكثر متعة، أليس كذلك؟
بل على العكس يجعله شاقاً ومرهقاً – إذا كان عندنا أي فهم –
فعندما تفكر ملياً أنه يوجد إنسان غيرك لا يتنعم حتى بخبز كاف لشبعه،
بينما تنام أنت على سرير من العاج، ألا يحكم عليك ضميرك
وينهض ضدك حتى تشجب بشدة هذا الفعل الظالم؟
أما إذا كان الاتهام موجه ليس فقط للنوم على فراش من عاج
بل على فراش مزخرف أيضاً بالفضة من كل جانب،
فأي تبرير يجده المرء لذلك؟!
أتريد أن تعرف ما هو الشيء الذي يجعل السرير جميلاً بالحقيقة؟
سوف أعرض عليك الآن روعة السرير،
ليس لمواطن أو جندي عادي بل لملك،
فحتى لو كنت إنساناً طموحاً أكثر من جميع الناس
إلا أنك لن تتمنى أن يكون لك سرير أكثر روعة من سرير ملك،
بالإضافة إلى أنني لا ألمح لأي ملك عادي بل إلى الأكثر عظمة،
الأكثر ملوكية من جميع الملوك،
الذي مازال يُكرَّم في التسابيح في كل مكان في العالم،
سوف أعرض عليك سرير داود الملك الطوباوي.
ما نوع هذا السرير الذي كان يستعمله؟
سرير ليس مزيناً من كل جانب بالفضة والذهب
لكنه مزين بالتوبة والدموع،
يذكر هو نفسه ذلك عندما يقول:
"أعوم في كل ليلة سريري بدموعي أذوب فراشي"
(مز6:6)
فهو يهيئ دموعه كاللآليء في كل مكان على سريره،
تأملوا معي كيف كان يحب الله من كل نفسه،
إذ كانت له في النهار اهتمامات كثيرة تشوه الذهن وتصرف الانتباه –
اهتمامات متعلقة بالحكام والقادة والأمة والشعب والجنود والحروب
والمناورات السياسية والمشاكل داخل بيته وخارجها أو بين جيرانه
– أما وقت الراحة الذي يستخدمه أي إنسان آخر للنوم،
أستخدمه هو للاعتراف والصلوات والدموع،
لم يفعل ذلك لليلة واحدة فقط ثم توقف الليلة التالية أو لليلتين أو ثلاثة
مهملاً الليالي التي في الوسط بل أستمر يفعل ذلك كل ليلة،
فهو يقول:
"أعوم في كل ليلة سريري بدموعي أذوب فراشي"،
مُظهراً غزارة واستمرارية دموعه.
تلاقى داود مع الله وحده بينما كان كل إنسان آخر هادئ ومستريح.
كانت له العين المستيقظة وهو يبكي وينوح ويعترف بخطاياه الخاصة.
يجب عليك أنت أيضاً أن تصنع لك سريراً مثل هذا.
ففضة محيطة بك توقظ غيرة الآخرين وتحرك غضب الله عليك،
أما الدموع – مثل دموع داود – فهي قادرة أن تُخْمِد نيران الجحيم ذاتها.
هل أعرض عليك سريراً آخر؟
أعرض عليك سرير يعقوب، إذ كانت له الأرض المجردة فراشاً،
وكان هناك حجراً تحت رأسه، لهذا السبب رأى الصخرة الروحية (السيد المسيح)
وذلك السلم حيث ملائكة الله صاعدة ونازلة عليه (تك 28)،
دعونا نوجه عقولنا نحو هذه الأسرِّة حتى يمكننا نحن أيضاً أن نرى أحلاماً مثل هذه،
لكن إذا تمددنا على أسرة من فضة ليس فقط لن نربح أي متعة
بل سيصيبنا الضيق أيضاً، فعندما تتأمل في وسط الليل أيام وقت البرد القارص
كيف أنك تنام على سرير كهذا،
بينما ذلك المسكين مطروحاً على كومة من القش بجوار باب بيت الحمَّام،
مغطياً نفسه بالعيدان، مرتعشاً ومتجمداً من البرد ومقروصاً من الجوع،
فحتى ولو كنت الأكثر قساوة من جميع الناس،
إلا أنك بلا شك سوف تحكم على نفسك لكونك توفر رفاهية غير ضرورية
لذاتك بينما لا تسمح للمسكين حتى بما هو ضروري لمعيشته.
المرجع: كتاب الغني ولعازر، للقديس يوحنا ذهبي الفم، العظة الأولى