كلمة الخوري ريمون عيد
بمناسبة عيد أبينا القدّيس مارون،
في حفل الاستقبال، في القاعة الكبرى لكاتدرائيّة العائلة المقدّسة الكاثوليكيّة،
مساء الجمعة 7 شباط 2014، بعد القدّاس الاحتفاليّ.
أصحابَ السّيادة والسّماحة والسّعادة السّامي احترامُهم
أخوتي الكهنة الأفاضل الجزيلُ احترامُهم
سيّداتي آنساتي سادتي الأحبّاء
أيّها الحفلُ الكريم!
"... باسمك دُعينا يا أبانا، وعليك وطّدنا رجانا !..."
من فُسُحات هذه الفانية، وفي كنَفِ هذه الكاتدرائيّة الشاهدة على إيمانِ أبنائِكَ على مرّ العقود، نصرخ إليك يا أبانا مارون وفي القلب غصّةُ الحنين إلى الوطن، ومَرارةُ أيّامٍ غابرة كادت تسلبُنا ما جناه تاريخُنا العريق، من حضارةٍ رسمَت خطوطَها المزركشة على جباه أبنائكَ!
حولَيكَ يا أبانا مارون، نلتفّ من كلّ حدبٍ وصوب، حامِلين إليك كيانَنا المغمورَ بالأثقال والظلمات، تاركين أنفسَنا رهنَ شفاعتك الغيورة، التي ما خيّبت يومًا سائلُها؛ قلوبُنا مشدودةٌ إليك، إلى همساتك، إلى أنّاتك، إلى كلمة حياةٍ من فِيكَ تخاطبنا بها كما يخاطب الأب أولادَه الأحبّة بعطفِه وحنانِه!
أحبّائي!
ما سوف ألقي الضوءَ عليه، لن يكونَ من باب التبجّح ولا الاعتزاز بالنفس، ولكن من باب العودة إلى الجذور الأصيلة، إلى الروحانيّة التي تحلّى بها آباؤنا وأجدادنا، الذين امتثلوا بروحانيّة أبينا مارون وحافظوا عليها جيلاً بعد جيل، علّنا نتناول عبرةً، فنستعيدُ إلى كياننا، ما فقدناه في هذا الزمن، زمن التقنيّات والمادّة الطاغية، وخمود شرارة الإيمان وجفاف المحبّة!
إليكم شهادة من البابا لاون العاشر سنة 1515: رسالته إلى بطريرك الموارنة آنذاك "سمعان بطرس":
"... وإنّك أيّها الابن الحبيب، أنتَ والشعب المارونيّ، لَتعيشون باستقامة وثبات، في الإيمان والأصوام والأخلاق وشغف العيش ومثاليّة الحياة،... فوَجَب علينا أن نمدح لُطفَ الله ونباركَه لأجلكم؛ لأنّ الربّ العليَّ شاء أن يكونَ عبيدُه الأمناء، بين الكنائس الشرقيّة، وفي وسط غير المؤمنين، وفي حقل الضلال، كالورود في وسط الأشواك، لمدح اسمه ولاهتداء غيرِ المؤمنينَ أنفسِهم. أنتم الذين حفظتم بتقوى وشجاعة طقوسَ الكنيسةِ المقدَّسة الجامعة وعاداتها؛ فما انحرفتم عن الإيمان بالمسيح في التضييقات ولا في الاضطهادات ولا في الشدائد، لا من قِبَل غير المؤمنين، ولا من قِبل الهراطقة، بل صرتم أقوى وأثبت يومًا عن يوم، في تحمُّل جميع الاضطرابات والإهانات لأجل محبّة الله!...".
وإليكم أيضًا بعضٌ من شهادة المستشرق النمساويّ المونسنيور مِسْلِين (+ القرن التاسع عشر)، وذلك بعد أن زار لبنان، ومكثَ فيه، متجوّلاً في أماكنه المقدَّسة، إذ يقول:
"تقوم العائلة المارونيّة على الحزم والقداسة، وإلى ذلك مَرَدُّ الطهارة في الأخلاق والآداب بتفوّق. ويعتقد هذا الشعب أنّه لا يجوز قَولَ كلِّ شيء، ولا عمل كلِّ شيء. فإنَّ القولَ يجرُّ الفعل، وتجنّب الشرِّ خيرٌ من عقابِه. يطيعون القدماء والمتقدِّمين فيهم، لأنَّ اللهَ يأمر بذلك. لن يرضَوا أن تصبح الخيانة والباطل والغرور وعدمُ الخبرة أساسًا لسياسة العائلة والمجتمع. يعتبرون الكاهن كوكيلِ الله،... ويعتمدون على تعاليم الإنجيل التي يدّخرونها في قلوبهم ويمارسونها بالفعل. يوقنون أنَّ النظامَ هو قاعدةُ المجتمع الطبيعيّة، وإقلاقَه هو الجريمةُ النكراء. إنّهم شعبٌ يتحلَّى بالوداعة والأُنس، والبساطة والصلاح والإيمان، وأقول أيضًا: منوَّرٌ راقٍ، ولا نورَ ولا رقيَّ في غير الإيمان!".
ويضيف المستشرق النمساويّ في مكانٍ آخرَ:
"إنّ الموارنة الذين تمكّنوا عبر العصور، وهم الشعب الصغير، من المحافظة على هُوِّيَّتِهم التاريخيّة عن طريق الثباتِ في الموقف، والكفاحِ المستمرّ ضِدَّ الجَور، والتعلُّمِ من الأخطاء، والحكمةِ في انتقاء الأصدقاء والحلفاء، والاستعدادِ للتفاهم مع الغير، والوفاءِ لكلّ مَن مدَّ إليهم يومًا يدَ المساعدة وأظهرَ نحوهم التفهُّمَ والعطف، تمكّنوا، في الوقتِ عينِه، دون سابق تصوُّرٍ أو تصميم، من المحافظة على حقِّ الإنسان في الحرّية والعَيشِ الكريم، ومن المساهمة في خَلقِ وطنٍ يضمَنُ هذا الحقَّ لأبنائِه!".
آمين ثمّ آمين نعلنها من أعماق قلوبنا المتخشّعة المنسحقة، مهلّلين لأجل جميع العظائم التي صنعها الربّ على يدكَ يا مارون، ومعترفين أنّنا ثابتين على نهجِ حياتك، كما كان على الدوام تلاميذُك الغيورين وأتباعُك الوَرِعين؛ نستشمّ القداسةَ من عطرِ مثالِكَ، بمحبّتِك للمسيح سيّدِكَ، ونتبرّكُ ببركاتِك الروحيّة من أريج شفاعتِك، ونستشفُّ نورَ حياتِنا من مَنهل روحِك! فاغمرنا بعطفِك وحنانِك، وزيّنْنا بمواهبِ حكمتِك، وقُدنا بشفاعتِك إلى ميناء مخلِّصِنا حيث الأبديّة موطنُك، فنشكرَ معك الثالوثَ الأقدسَ الذي اصطفاك، رافعين المجدَ له إلى أبد الآبدين. آمين!... وأهلاً وسهلاً بكم أجمعين!...
[/size]
تــــم نقـــل هذا المنتدي إلي موقع آخــــر ... 
السبت فبراير 08, 2014 7:52 am
:twisted: 
