دخول السيد المسيح الي الهيكل
ايها الاحباء في هذا اليوم المبارك نحتفل بعيد دخول المسيح الى الهيكل ، هذا العيد مظهر وناقلا لنا رسائل ومعاني كثيرة .
قد يتساءل البعض ما معنى تقديم يسوع الى الهيكل وايضا ما معنى تقدمة ذبيحة لكل ابن بكر ولد ، كما اشار النص الانجيلي الذي قراناه الآن . ان خلفية هذا العيد تتعلق بالعهد القديم وتتعلق بشرائعه الناموسية.
النقطة الاولى : معنى تقديم يسوع الى الهيكل بكونه بكرا من امه بالجسد ، تعود الى ان الله طلب من موسى النبي ان يقدس او ان يقدم له (اي الى الله ) كل بكر من ابناء العبرانيين وايضا من الحيوانات .
وصار هذا الحدث لاول مرة في العهد القديم اثناء ضرب الله لفرعون وضرب ابكار مصر . وتكرر طلب الله من موسى ان يقدم له كل بكر عندما اخرج الشعب العبري من مصر ، حتى ليتذكروا كيف ان الله اخرجهم من ارض العبودية بفعل قوة الله .
النقطة الثانية : ما معنى تقديم ذبيحة عند ولادة المرا ة. فرضت الشريعة في العهد القديم ان المراة التي تلد ذكر او انثى لا تكون طاهرة حتى تكمل 40 يوما على ولادة الذكر وثمانون يوما على ولادة الانثى ، عندها تكمل ايام تطهيرها فتأتي الى الكاهن وتقدم عن طفلها خروف عمره سنة واحدة اذا كانت غنية او زوجي يمام او فرخي حمام اذ ا كانت فقيرة .
بناء على معرفتنما لخليفة هذا العيد نستطيع ان نفهم النص الانجيلي الذي قراناه الآن بشكل واضح ، لذلك فيسوع هو قدوسا مثله مثل اي ابن بكر مولود من ابناء شعبه ، وايضا فهمنا معنى تقديم الذبيحة من اجل تطهير ام يسوع بعد انتهاء 40 يوما على ولادة ابنها يسوع .
السؤال: هل كان يسوع وامه بحاجة الى التطهير، طبعا لا ومع ذلك جاءوا الى الهيكل طاعة وخضوعا للناموس وللشريعة .
ألم يقول المسيح انه جاء لا لينقض الشريعة بل ليكملها ، اذا يسوع تمم كل ما تفرضه الشريعة من الختانة والدخول الى الهيكل والاحتفال بالاعياد وممارسة العبادة والصلوات في الهيكل .
اذا اراد يسوع ان يخضع رغم كونه الها لهذه الشريعة الدينية لكي يعلمنا ويجعلنا دائما قربين من الله في حضرته الذي هو مصدر كل شيء واليه كل شيء يعود .
ان انجيل اليوم يروي لنا كيف صعدت مريم ويوسف الى هيكل اورشليم لكي يقربا يسوع لله ، ولكن يخطر على بالنا هذا السؤال وهو ألم يكن يسوع هو نفسه الرب فالجواب بالطبع هو نعم .
ولكنه ايضا في نفس الوقت طفل مثل سائر الاطفال صار شبيها بنا في كل شيء ما عدا الخطية ، تجرد من ذاته ومتخذا صورة عبد واطاع حتى الموت ، الموت على الصليب وليكون مثالنا الاعلى .
ايضا يخبرنا الانجيل ان اهل يسوع كانوا حاملين بايديهم زوج يمام او فرخي حمام على حسب الشريعة ، هذه كانت تقدمة الفقراء ، ربما هناك سائل يسأل كان بامكان اهل يسوع ان يقدموا تقدمة الاغنياء لانه قدم ليسوع عند ولادته الذهب ، يقول التقليد ان مريم العذراء وزعت كل الهدايا والذهب على الفقراء وابقت القليل القليل لاجل رحلتهم او هربهم الى مصر .
اليمام ايها الاحباء: يرمز للطهارة والعذارى ، اذ انه عندما يموت احدهما ( الذكر او الانثى) لا يأخذ الثاني بدلا منه بل يذهب الى الجبال بعيد عن ضجيج العالم ، اما الحمام فيرمز الى الوداعة وبحسب الناموس ايضا يذبح احد الطيرين ويترك الاخر ، دالا بذلك على طبيعتين للمسيح الالهية والانسانية ، الاولى التي لا يسود عليها الموت والثانية التي ذبحت على الصليب.
كان حاضرا في الهيكل بالهام الروح القدس ، رجل شيخ طاعن في السن اسمه سمعان كان بار تقيا مملؤا من خوف الله ، كان ينتظر مجيء المسيح الى العالم ، واعلن بانه لا يرى الموت حتى يعاين المسيح المخلص .
فلما دخل يوسف ومريم الى الهيكل عرف سمعان مباشرة بواسطة الروح القدس ان الطفل يسوع هو مخلص العالم والنور الذي اعلن لكل الشعوب . فحمله على ذراعيه مقدما الشكر لله . ومبتهجا بمشاهدته السعيدة وقائلا هذه الصلاة الرائعة :
" الآن اطلق عبدك ايها السيد على حسب قولك بسلام فان عيني قد ابصرتا خلاصك الذي اعددته امام كل الشعوب نورا لاستعلان الامم ومجدا لشعبك اسرائيل " .
ان هذه الصلاة التي قالها سمعان الشيخ ترددها الكنيسة يوميا في كل صلواتها ، ترددها كل نفس مسيحية مشتاقة الى الفرح السماوي والى الديار السماية ، فنقولها بعد القداس الالهي في صلاة الشكر بعد المناولة وكذلك في صلاة الغروب .
وكان هناك ايضا حاضر في الهيكل حنة النبية التي كانت تقوم وتصلي ليل نهار في الهيكل بعد ان رأت الطفل الالهي ، خرجت من الهيكل تحمد الله وتخبر بالطفل الالهي جميع الذين كانوا ينتظرون خلاصهم .
ايها الاحباء يطلق على هذا العيد :" اللقاء" ففيه تتم لقاءات مختلفة . اولها لقاء سمعان مع الطفل الالهي حسب وعد الروح القدس لسمعان . وهو ايضا لقاء الاجيال : الطفل ، ومريم وحنة الطاعنة في السن ويوسف وسمعان .
ايضا لقاء العهدين القديم والجديد . وهو لقاء الشريعة والنعمة، اذ انتهى العهد القديم وبدأ العهد الجديد ، لقد أتم العهد القديم مهمة تأمين ولادة المخلص التي اوكلت اليه وهو يسوع .
هذا العيد هو اولا واخيرا وقبل كل شيء لقاء الله بالانسان ، اي لقاء البشرية بخالقها والهها ،الطفل الجديد وهو الاله الكائن قبل الدهور .
اذا يا احبتي : قُرِّبَ يسوعُ في هذا اليومِ للهِ في الهيكل استباقاً لأمرٍ آخر. فعندما كانَ صغيراً قدَّمَهُ والِدَاهُ للهِ، ولكنَّهُ على الصليبِ قَرَّبَ نفسَهُ هوَ ذبيحةً وقرباناً لا عيبَ فيهما وذبيحةَ مساءٍ في سبيلِ أحبائِهِ، فهوَ بذلكَ عَمِلَ مشيئةَ اللهِ في حياتِهِ، لا مشيئَتَهُ.
إنَّ عيدَ اليومِ هوَ عيدُ كلِّ واحدٍ فينا، لأنَّنا عندما كُنَّا صغاراً قُرِّبنا للهِ بواسطةِ والِدَينا في الكنيسة، لكي ندخلَ في علاقةٍ قويةٍ معَ اللهِ أبينا الذي يُحِبُّنا ويفعلُ كلَّ شيءٍ لأجلِنا ولمصلحتِنا.
وعيدُ اليومِ هوَ أيضاً عيدُ الأطفالِ جميعاً لأنَّهُم قُّرِّبُوا للهِ في الكنيسةِ بواسطةِ والِدِيهم، فهُم أملُ الكنيسةِ وهمُ الذينَ سوفَ يشهدونَ ليسوعَ المسيحِ في حياتِهم عندما يكبرونَ قولاً وفعلاً.
نحنُ كُلُّنا مدعوونَ لعيشِ هذا العيدِ بمحبةٍ وتقوىً، على مثالِ سمعانَ وحنَّة، ومريمَ ويوسف، ويسوعَ الذي قُرِّبَ لله، وهوَ بذلكَ يملأُ قلوبَنا بالسلامِ الذي نحتاجُ إليهِ لأنَّهُ هوَ سلامُنا وخلاصُنا.
إنَّ تقدمةَ يسوعَ المسيحِ هيَ تقدمةُ كلِّ واحدٍ فينا، لأنَّنا مدعوونَ دائماً لأَن نُقدِّمَ للهِ كُلَّ شيءٍ في حياتِنا. كُلُّ يومٍ في حياتِنا هوَ بمثابةِ تقدمةٍ لله، لأنَّنا كُلَّ يومٍ نصلِّي إلى اللهِ ونطلبُ رحمتَهُ ومساعدَتَهُ لنا في هذا اليوم، لأنَّنا بمعزلٍ عنهُ لا نستطيعُ شيئاً. فكُلُّ يومٍ هوَ بمثابةِ إتِّباعِ يسوعَ المسيحِ وحمل صليبه ، الذي أحبَّ الانسان إلى أقصى الحدودِ: حتى الموتِ على الصليبِ لكي يُخلِّصَنا من خطايانا ويُعيدَنا إلى حضرةِ اللهِ وإلى العلاقةِ القويةِ الثابتةِ معه.
فكُلُّ يومٍ اذا هوَ بمثابةِ السيرِ للتمثُّلِ بيسوعَ المسيحِ الذي عَمِلَ مشيئةَ الآبِ في حياتِهِ وليسَ مشيئَتَهُ. فالتقدمةُ للهِ هيَ بمثابةِ الوجودِ دائماً في حضرةِ اللهِ الذي يستقبِلُنا ويُسرِعُ لمُلاقاتِنا. وعلينا بدورنا نحنُ أن ننطلقَ بسلامٍ لملاقاةِ الربّ. امين