أبونا الراهب سارافيم البرموسي
لأجل الخطاة جئت
في نظر الناس، يبدو البعض خطاة، إلاّ أن قلوب هؤلاء الذين نراهم خطاة هي أشبه بأرضٍ جافّة يابسة ترجو مطرًا،
ولكن مَنْ ذا الذي يُدْرِك ويرصد أشواق القلوب الخبيئة.
هم ينتظرون كلمة..
يلتمسون مَنْ يتبعون..
لهؤلاء، كان الربّ يسوع هو الكلمة التي طالما راودت أحلامهم؛
كلمةٌ، تُحرِّرهم من عبودية المّادة والبشر،
وقد يصير البشر أقسَى على الخطاة من الخطيئة،
حينما تمتدُّ أصابع أبصارهم وتصرُخ: نجسٌ نجسٌ!!
إنّ المُخلِّص كلمةٌ أمام بريقه ينحلّ قيد الخطيئة ويذوب،
وكأنّه قطعة جليد قد وُضِعَت بين أحضان الشمس المُشرقة.
والمسيح لم يأت ليُرقِّع ثوب البشريّة العتيق..
فما عتق وشاخ قارب على الاضمحلال،
وحينما تضمحل الظلمة لابدّ أن يكون هناك جدّة الحياة.
فالإنسان الجديد هو وعد المسيح لمن أنّوا من الإنسان العتيق..
ففي آدم الجديد سيحيا الجميع.
هل كانت نظرات المُخلِّص هي سرُّ التغيُّر الذي يحدث لكلِّ مَنْ وقف أمامه؟
أم هل هي سيرته الناصعة البياض التي لم تُدَانِهَا شوائب وتقربها خطايا البشر؟
أم هل كان ما يُقَال عن قدراته الهائلة على الحوار مع الأجساد والأرواح والطبيعة هو ما هيّأ القلوب للخضوع له؟ قد يكون.
إلاّ أن هناك حقيقة واحدة لا تقبل الجدل؛
وهي أنّه أحبّ الخطاة بالرغم من استيائه وألمه من الخطيئة.
ومَنْ يُحبّ، يُخْضِع كونْ مُحبّيه لمُلكِه وصولجانه.
مَنْ يُقلِّب صفحات الأناجيل، ويُقلِّب معها خبراته مع المُخلِّص،
يجد خيطًا واضحًا يُمثّل عمودًا فقريًّا لعمل المسيح؛
إنّه فتح باب الرجاء لمن حاصرهم العالم وأغلق عليهم في سراديبه الرطبة الضيّقة.
كان شُغْل المسيح الشاغل هو أشعّة الرجاء التي يبذرها أينما حلَّ؛
بالكلمة والصمت،
بالنظرة والإيماءة،
باللّمسة والصلاة..
كانت أشعّته تحلّ أينما كان لتحلّ معها ملائكة النور التي تُطارِد فلول الظلمة لتُنقِّي القلوب والعقول لقبول كلمة الخلاص،
ومن ثمّ قرار التخلُّص من ماضي الهوى والشهوات.
ما من إنسان جاء إلى الربّ يسوع حاملاً أكفان رجائه إلاّ ولمسها ليُعيد إليه الرجاء حيًّا نابضًا.
ولكن الرجاء لا يعمل فيمن يقاوم الروح
ويتحسَّس بأقدام قناعاته الخطوات التي سيخطو ويحسب ربحها وخسارتها ليُقرِّر وجهته.
أمام أولئك صمت الربّ،
وفي أحيانٍ أُخرى ألمح إلى الإيمان،
بينما في بعض المواقف كان التوبيخ هو مشرطه لاستئصال منطق العالم الذي ينتفخ يومًا بعد يوم
وينتشر ليملك كيان الإنسان ويطرحه قعيدًا في انتظار لحظات الموت بقلبٍ مرتعش.
كان المسيح يوبِّخ حبًّا وألمًا على مَنْ عاينوه ولم يقبلوه، فقبلهم دار الموت في ظلماته، أبدًا.
ومن حُبّ المُخلِّص وتوبيخه يتفجَّر الإيمان،
تلك هي معجزة إيماننا..