نبذة عن حياة مار يوسف البتول
كتاب الإنجيل لا يذكر إلاّ القليل عن شخصيّة مار يوسف البتول (متّى 1: 19) لأنّه كان قليل الكلام، كثيرَ الأعمال، على مثال العظماء من الرجال.
نعرف من الإنجيل أنّ يوسف الصدّيق كان خطّيب مريم العذراء ومربّي الطفل يسوع وإحدى شخصيّات مخطَّط الخلاص العجيب.
خطب يوسف البتول مريمَ العذراء. وكلاهما من نسل داود الملك حسبما جاء في النبوءات. وبعد عقد الخطوبة التي كانت زواجًا شرعيًّا، انفصل الخطيبان، على عادة اليهود، ريثما تُستكمل شروط الخطوبة قبل بداية المساكنة.
وفي تلك الفترة الفاصلة بين الخطوبة والمساكنة، التي كانت تتجاوز السنة أحيانًا، جاء الملاك جبرائيل منـزلَ العذراء في الناصرة ? منطقة الجليل، وبشّرها بأنّها ستكون أمَّ المخلّص المنتظر منذ أجيال (لوقا 1: 26 ? 38).
ولمّا بلغ يوسف خبرُ حبل العذراء ساوره القلق، واحتار في أمره، وأُغلق عليه فهم سرّ هذا الحدث الغريب. ولا شكّ أنّه لجأ إلى الصلاة. فكشف له ملاك الله سرّ الحبل الإلهيّ وأمره مساكنةَ العذراء تنفيذًا لمراحل مخطّط الخلاص.
وفي الحال، اتّخذ يوسف مريم العذراء إلى بيته وعاش معها كأهل السماء. ولمّا وُلد يسوع في مغارة بيت لحم، كان يوسف ساهرًا عليه.
ولمّا خاف هيرودس السفّاح على منصبه، أمر بقتل أطفال بيت لحم ويسوع معهم، كان يوسف حارسه الأمين. فهرب به، بإشارة من السماء، إلى أرض مصر حيث مكث حتّى وفاة ذلك السفّاح. وعندئذٍ رجعت العائلة المقدّسة إلى الناصرة ? منطقة الجليل، واستقرّ يوسف فيها يمارس مهنته الوضيعة، ويهتمّ بالعائلة، ويُصغي إلى وحي الروح حتّى انتهى دوره في تنفيذ مخطّط الخلاص وأسلم الروح بين يدَي يسوع ومريم.
هذا هو القدّيس يوسف زنبقُ الطهارة وسوسنُ النقاوة كما يصفه آباؤنا الأقدمون. والكنيسة المقدّسة، بعد أن درست شخصيّته، أطلقت عليه ألقابًا كثيرة. ومنها: شفيع الميتة الصالحة، وشفيع العمّال، وشفيع العائلات المسيحيّة، وشفيع الكنيسة جمعاء.
رزقنا الله شفاعته آمين.
أقامه الله ربًّا على بيته ووكيلاً على كلّ ما يقتنيه
كما أنّ الله تعالى أقام يوسف بن يعقوب وكيلاً على جميع أرض مصر ليخزن الحنطة لشعبها، هكذا، لدى حلول ملء الأزمنة ? موعد مجيء يسوع المخلّص إلى العالم ? اختار يوسف آخر لم يكن يوسف الأوّل إلاّ رمزًا له، وأقامه سيّدًا على بيته وعلى كلّ ما يقتنيه وحارسًا لأثمن كنوزه.
وحيث كانت مريم البتول بقوّة الروح القدس، أمًّا ليسوع المخلّص، والقدّيس يوسف بتدبير الله، مربّيًا له، فإنّ يسوع كان يخضع ليوسف مربّيه.
وكان الابن الذي اشتهى الملوك والأنبياء أن يروه، لم يره يوسف فقط بل تكلّم معه وحمله على ذراعيه وعانقه وقبَّله، وأقات مَن يتناوله المؤمنون كخبز نازل من السماء لنيل الحياة الأبديّة.
وبناء على هذا المقام السامي الذي حباه الله هذا الخادم الأمين، قد كرَّمت وعظّمت الكنيسة المقدّسة، بعد مريم العذراء، يوسف خطّيبها المعظّم، والتمست شفاعته في الصعوبات والشدائد. ولمّا هاجم الخصوم كنيسةَ المسيح في الحِقَب الرديئة، ووجّهوا إليها سهام الكفر والضلال واهمين أنّ أبواب الجحيم تقوى عليها، التمس الأساقفة الأجلاّء من الحبر الأعظم أن يُعلن القدّيس يوسف محاميًا عن الكنيسة جمعاء.
ولدى انعقاد المجمع الفاتيكاني المقدّس، تكرّر هذا الالتماس بصورة ملحّة ممّا حمل قداسة البابا بيوس التاسع راعي الرعاة، على أن يضع نفسه وجميعَ المؤمنين، تحت حماية القدّيس يوسف، وقد أعلنه رسميًّا محاميًا عن الكنيسة الكاثوليكيّة، وأَمَرَ بأن يُحتفل بعيده الواقع في التاسع عشر من أذار، احتفالاً كبيرًا.
كما أمر قداسته أيضًا بأنّ هذا الإعلان الذي تمّ يومَ عيد الحبل بلا دنس الواقع في 8 كانون الأوّل 1870، يعمل به رسميًّا وبقوّة البراءة الرسوليّة ابتداءً من هذا التاريخ.
الكاردينال باتريِّس