تفسير قول ألسيد المسيح ما جئت لألقي سلاما بل سيفا!
*******************
حينما نتحدث عن آية من الكتاب. لا نستطيع أن نفصلها عن روح الكتاب كله،
لأننا قد لا نفهمها مستقلة عنه.
فلنضع أمامنا روح الإنجيل، ورسالة المسيح التي ثبتت في أذهان الناس.
ثم نفهم تفسير الآية في ظل المفهوم العام الراسخ في قلوبنا.
رسالة السيد المسيح هي رسالة حب وسلام: سلام مع الله، وسلام مع الناس أحباء وأعداء.
وسلام داخل نفوسنا بين الجسد والعقل والروح.
صحيح أن رسالة السيد المسيح هي رسالة السلام، والمعلوم أن يسوع جاء ليبشر بالسلام وليس بالسيف.
وعندما ولد في مدينة بيت لحم ترنمت الأجناد السماوية قائلة:
" المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام " (لوقا 2 : 14).
ونبوة إشعياء عن المسيح تقول : "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه،
ويدعى اسمه عجيبا مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا، رئيس السلام" (إشعياء 9 : 6).
والمسيح نفسه علم قائلا: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5 : 9).
إذا كيف يقول المسيح هنا إنه لم يأتي ليلقي سلاما على الأرض، فهل من تناقض في قوله؟
ليس هناك تناقض في أقوال المسيح وإن بدا لنا ذلك أحيانا لعدم فهمنا مضمون بعض الآيات.
فالمسيح جاء ليلقي السلام. ويعلم السلام الحقيقي بواسطة رسالته وحياته وفدائه،
وإن تعالمه كلها تدعو إلى السلام والمحبة والإخاء والتسامح.
وهو لم يقصد أن يعلم الناس بالسيف أو يرغمهم على اتباعه بالقوة.
وأعتقد أنه من المناسب أن نقرأ الأعداد الثلاثة التي تلي الآية التي نحن بصددها،
لأن ذلك يساعدنا على فهم قصد المسيح بطريقة أفضل.
فهو يقول في إنجيل متى الإصحاح العاشر: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض،
ما جئت لألقي سلاما بل سيفا، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه،
والابنة ضد أمها، والكنه ضد حماتها".
ثم يقول: "من أحب أبا أو أما أكثر مني لا يستحقني" (متى 10 : 34-37).
فكلمة سيف الوارد ذكرها في قوله هي كلمة مجازية ذكرها المسيح
في معرض حديثه عن الصعوبات التي تلاقيها رسالة الإنجيل في طريقها إلى قلوب الناس،
وليس المقصود هنا بكلمة "سلاما" السلام السياسي، ولا بكلمة "سيف"
السيف الذي يستعمل في الحرب.
فإشارة المسيح إلى السلام والسيف تشير بلغة مجازية إلى المعاناة النفسية
التي يمر بها الإنسان المؤمن والصعوبات التي تواجهه في حياة الإيمان.
فالمؤمن الحقيقي هو صراع مستمر مع أجناد الشر. وسيف الروح الذي هو كلمة الله،
هو السيف الفعال للتغلب على الشرور والأباطيل التي تواجهنا في حياتنا.
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †