مدح وكيل الظلم
بقلم: المتنيح الأنبا غريغوريوس
سؤال: عندما تحدث الرب يسوع في مثله عن السيد الغني الذي أراد أن يعاقب وكيله الذي بذر أمواله بطرده,ذكر أن هذا الوكيل تنازل لمديوني سيده عن بعض دينهم,حتي إذا عزل عن الوكالة يقبلونه في بيوتهم,ومدح السيد الغني وكيل الظلم إذ بحكمة فعل,فكيف يكون المديح لعمل يتسم بعدم الأمانة من هذا الوكيل؟
وما المفهوم الحقيقي لقول الرب يسوع:اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتي إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية؟
الجواب:
هذا السؤال يوجه إلينا كثيرا,يقول الكتاب المقدس:فمدح السيد وكيل الظلم لأنه بحكمة صنع؟فأكيد أن هذا المدح ليس موجها إلي العمل الشرير الذي عمله هذا الوكيل المدح موجه إلي حكمة الرجل باهتمامه بالحياة الأخري.الرجل وقد عرف أن سيده سيطرده من الوكالة,فكر فيما بعد هذه الحالة واهتم بالاستعداد لها,لم يقنع بأن يصدر عليه هذا الحكم وأن يقبع في داره وأن يموت,إنما فكر في كيف يتغلب علي الصعوبة التي ستعترض حياته,وكيف يحول هذا الشر إلي خير بالنسبة له وكيف ينتصر علي الموقف بما يؤول لصالحه.
فالمدح هنا ليس موجها إلي عمل السرقة,ولكن إلي مهارة الرجل وإلي حسن تصرفه من حيث إنه اهتم بمستقبل الأيام,وهذا المنهج في أن يوجه المدح إلي بعض تصرفات الإنسان الشرير منهج معهود,ففي بعض الأحيان قد يعجب الإنسان أو قد يعجب المجتمع بلص,ويتحدث الناس عن هذا اللص حديث الإعجاب,لا لأنه قد سرق ولكن للمهارة التي أظهرها في عملية السرقة. إذن المدح أو إعجاب الناس ليس موجها إلي فعل السرقة في ذاته,ففعل السرقة دائما مذموم ومكروه,وإنما موجه إلي المهارة,لأنه في بعض الأحيان بعض اللصوص يستخدمون أنواعا من الذكاء والمهارة والحيلة في كيفية السرقة,بحيث إنهم ينتزعون إعجاب الناس,والناس يظلون مبهورين ومعجبين بمهارة هؤلاء اللصوص وبالطريقة التي ابتكروها.
الواقع أن الإعجاب غير موجه إلي الجرائم أو الأخطاء التي ارتكبت,ولكن موجه إلي المهارة وإلي الذكاء الذي أظهر في هذه التصرفات,وهذا يحدث في الحياة كلها,لدرجة أنه معروف في الألواح الاثني عشر للقانون الروماني وهو يعد من أقدم ما في التراث الإنساني من قوانين,أن المجرم إذا استطاع أن يخفي جريمته يعفي من العقوبة,ومعني هذا الإعفاء مكافأة لكن هذه المكافأة في واقع الأمر للذين يدرسون علم الاجتماع ليس لأن هذا الرجل أخطأ أو لأنه سرق ولكن لأنه ظهرت فيه موهبة وجد الرومان أنه من الخسارة أن يحكم عليها بالإعدام. فهذا الإعفاء وهذه البراءة ليست موجهة إلي الجريمة ولكن موجهة إلي اكتشاف موهبة في هذا الإنسان,أو صفة ظهرت في هذا الإنسان وأبرزت موهبة معينة ومثل هذه الموهبة تستحق أن يعجب الإنسان بها.
فهكذا نقدر أن نقول علي نفس الفكر إن المدح الذي وجه إلي الرجل وكيل الظلم غير موجه إليه لأنه ظالم أو أنه سرق أو أنه غير أمين,وطبعا يكفي أن الكتاب سماه وكيل الظلم,وهذا معناه أن الرجل منظور إليه علي أنه إنسان ظالم,وفي المثل نفسه أن سيده طرده,هذا الطرد نفسه عقوبة ودليل علي عدم ارتياح للعمل الذي عمله,إنما نفس السيد الذي طرده هو السيد الذي مدحه,طرده لأنه غير أمين,لكن مع هذا مدحه لأنه رأي فيه فضيلة أخري أو صفة أخري من الصفات التي يمدحه من أجلها,وهو أن الرجل اهتم بمستقبل حياته,فهو لم يقنع بمصيره ولكنه أراد أن يتغلب علي هذا المصير,بأنه يبتكر طريقة يعيش بها,ويعرف كيف تمتد حياته دون أن يستعطي أو يشحذ.
والسيد المسيح له المجد قال هذا المثل علي أساس أن الناس إذا كانوا غير أمناء فيما يتصل بمسئولياتهم الحاضرة في الحياة الحاضرة,إنما ممكن أن يوجهوا اهتمامهم للحياة الأخري والمصير الأبدي,وكلمة اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم,وأصل الكلمة باليونانية معناها المال غير الحق,أو الذي لايحق لكم.
فمثلا علي سبيل المثال العشور عند الإنسان ليس ماله لأن هذه العشور هي حق الله,فمادامت أصبحت حق الله فكوني أحتفظ بها لنفسي كأني أنا أظلم أو أسرق,كما قال الله في سفر ملاخي:أيسلب الإنسان منكم الله,قلتم بما سلبناك,قلت في العشور وفي التقدمة,لذلك لعنت لعنا هذه الأمة كلها,هاتوا العشور إلي الخزنة ليكون في بيتي طعام,هاتوا العشور وجربوني بهذا,إن كنت لا أفتح لكم كوي السماء حتي لاتوسع.
فكون الإنسان لايعطي العشور لله من دخوله فهذه سرقة,علي الرغم من أنه يبدو له إن المال ماله,وأنه لم يعتد علي مال إنسان آخر,لكن في نظر الله كونه لايعطي العشور لله وهي حق الله عليه,فهنا سرقة وهنا تعدي,وهنا سلب,وهنا مال لايحق لك,مال ليس من حقك أنت,فأنت في هذه الحالة تعد بمثابة وكيل الظلم,أنت وكيل علي هذا المال لكنك اغتصبت مالا يحل لك,ففي هذه الحالة أنت كوكيل الظلم تماما. ولكن اصنعوا لكم أصدقاء بهذا المال الذي لايحق لكم.الذي ليس من حقكم,بمعني اصرفوه من أجل الله أنفقوه علي الغير,أو علي القريب,أو علي المحتاجين,أو علي الشئون العامة أو علي الصالح العام,أنفقوه فإنه متي انتهت حياتكم علي الأرض تقبلون في المظال الأبدية لأن هذا العمل وهذا المال أو هذا العطاء الذي أعطي من أجل الله,يسبقكم إلي هناك وحينئذ يكون زادا لكم وكنزا لكم هناك,تجدونه حينما تذهبون إلي العالم الآخر.
ليس المقصود بمال الظلم أنك تسرق من واحد وتعطي لله, لا..طبعا, مستحيل هذا وحتي في قوانين الكنيسة هذا مرفوض تماما,إنما المقصود هنا المال الذي لايحق لك ومن ضمنه العشور,وأيضا ليس معني السرقة أنك تقتحم شقة أو بيت وتغتصب وتسرق,بل هناك طرق أخري يعملها الإنسان من دون أن يسلب الآخرين بطريقة القفز علي البيوت ويأخذ المال الذي لايحق له,فأنت رب بيت ومرتبك, من حق زوجتك وأولادك أن يشاركوك فيه,فكونك تأخذ المرتب وتنفقه علي التدخين وعلي الخمر أو علي شهواتك الخاصة,وتهمل زوجتك وأولادك فهذا اغتصاب حقوق الآخرين أنا أعتبر أن هذا الرجل هو السارق,وهو المغتصب لأنه يأخذ حق زوجته وحق أولاده, ويصرفه علي الخمر, ويصرفه علي التدخين, ويصرفه علي شهواته الخاصة ويترك زوجته تتضرر جوعا أو تتلوي من الألم ومن العذاب.
فلو كنت أنت أبا من هذا القبيل تعد أنت سارقا ومغتصبا,وطبعا بالمثل يقال عن المرأة التي تصنع ذلك ولو أنه نادر جدا لو عملت المرأة ذلك, لكن يوجد بعض النساء من تعمل هذا.
أيضا عندما تكون رئيس عمل وتظلم العمال ولا تعطي العامل حقه كما قال الرسول يعقوب:هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ وصراخ الحصادين صعد إلي أذني رب الجنودفهنا ظلم يقع من رئيس العمل علي العمال والفعلة,سواء كان في الحقل أو في مصنع, مثل هذا الرئيس المحترم في المجتمع يعد أمام الله سارقا لأنه يغتصب حق العمال وحق الموظفين. فعموما النقود التي في جيبك قد يكون فيها مال ظلم,هي حقوق آخرين أو أنت أخذت حق غيرك,بمعني فيها مال لايحق لك أي نوع من المال ليس من حقك يكون في جيبك هو مال ظلم,فلو أنت مثلا استغللت مركزك في عملك كما يحدث في بعض الأحيان إنسان يستغل الأدوات الخاصة بالوظيفة إن كان ورقا أو إن كان حبرا أو أي امتيازات تأخذها لنفسك هي لاتعطي لك بحق الوظيفة ولكن أنت تنتزعها لنفسك ومعتمد علي أنك رئيس العمل. ففي هذه الحالة يكون الذي في جيبك ليس لك,أنت مغتصب سواء تغتصب حق الحكومة أو تغتصب حق الآخرين أو تغتصب حق الوظيفة. هناك أكثر من سبيل وأكثر من طريقة ممكن للإنسان أن يعتبر المال الذي يتحصل عليه ليس ماله أو مختلط به مال آخرين أو مال لايحق له.
الله يريدنا أولا: أن نهتم بالحياة الأخري ويكون عندنا نظرة إلي الأبدية وأيضا نستفيد من وجودنا في الزمن الحاضر بما يكفل لنا أو يساعدنا علي أن نربح الحياة الأخري وأن يكون لنا فيها مكان.
الأمر الثاني: أننا نستفيد أو نورد من الحياة الدنيا ما يكون لنا زادا في الحياة الأخري .
والأمر الثالث:كل مال لايحق لنا لابد فورا أن نبعده عنا ونعطيه لله سواء أكان بالطريق المباشر أو بالطريق غير المباشر نعطيه للكنيسة ونعطيه للفقراء وأيضا أصحاب الحق كما قال زكا:ها أنا أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت قد غبنت أحدا أرد له أربعة أضعافما لله يعطي لله ولكن ما للغير يعطي للغير لأن هذا الغير مظلوم ومضطهد ومغبون فلابد أن يرد له الشيء المسروق والشيء المغبون بهإن كنت قد غبنت أحداالترجمة الحاضرة البيروتية تقولإن كنت قد وشيتهي في الأصل إن كنت قد غبنت أحداإن كنت قد ظلمت أحدا أرد له لا أرد لله لا..أعطيه هو لأني أنا ظلمته.
هذه هي المعاني التي من المفروض أن يستفاد بها من هذا المثال الذي قاله سيدنا له المجد.
تــــم نقـــل هذا المنتدي إلي موقع آخــــر ... 
الخميس مارس 06, 2014 12:19 pm
