المزمور الحادي والخمسون
صلاة التوبة
حسن بالذين قد سبقوا بزلة الخطايا أن يرجعوا بالتوبة إلى الله لأنه ليس دواء آخر ينفع لشفاء الأوجاع التي سببتها الخطية سوى التوبة إلى الله . وكما أن محبة الطبيب نافعة للمرضى إذا واظبوا على التردد عليه كذلك تعين النفس السقيمة بالخطية مواظبتها على طرق باب رحمة الله .
هذا المزمور يعرفنا بخطية داود وتوبته العظيمة التي يجب أن تكون مثالا يحتذى لكل من يخطىء وهو من أهم مزامير التوبة السبعة وهى 6 ، 32 ، 38 ، 51 ، 102 ، 130 ، 143 .
للخطية عقابان أحدهما سماوى وهذا يتغاضى عنه الرب عندما نتوب ، والآخر أرضي وهذا لابد منه
.
1 – " إرحمني يا الله حسب رحمتك
حسب كثرة رأفتك امح معاصى "
هنا رجع النبي بذاكرته إلى ما صنعه حينما وبخه ناثان النبي وأيقظ ضميره فوجد نفسه أنه هالك أمام العدل الإلهي لأن الناموس يأمر بأن القاتل يقتل والفاجر يحرق بالنار . فوجد نفسه أنه مستحق الموت ثم الحرق بالنار فانكفى على وجهه باكيا ويقول عن نفسه [ أكلت الرماد مثل الخبز وشربت الدموع عوض الماء مزجت شرابي بدموعي ] ( مز 102 : 9 )
2 – " أغسلني كثيرا من إثمى ،
ومن خطيتي طهرني " .
فكما يحتاج الثوب المدنس كثيرا لغسيل أكثر كذلك النفس التى زادت خطيتها فإنها تحتاج إلى توبة كثيرة وجهاد أكثر وأعمال صالحة لتغسلها ولذا يقول المرتل : فأنا أخطأت كثيرا يا إلهي فاغسلنى كثيرا وطهرني من خطيتي .
3 – " لأني عارف بمعاصي ،
وخطيتي أمامي دائما " .
من الأمور الروحية المسلم بها أنك إذا تناسيت خطاياك سيذكرها لك الرب ويعلنها أما إذا كشفتها وتذكرتها واعترفت بها ينساها لك الرب [ من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها يرحم ] ( أم 28 : 13 ) ، [ قلت أعترف للرب بإثمي وأنت قد رفعت عني نفاق قلبي ] ( مز 32 : 5 ) .
لذلك كان داود النبي يتذكر خطيته دائما واضعا إياها أمامه لكي لا يعود الرب يذكرها ويرحمه .
4 – " إليك وحدك أخطأت ،
والشر قدام عينيك صنعت ،
لكي تتبرر في أقوالك وتزكو في قضاتك " .
أنت هو الراعي الصالح وقد إئتمنتني وسلمتني قطيعك لكي أرعاه وأحرسه بأمانة وخوف ولكني صرت خائنا وسارق للقطيع ، فأنا لم أخطىء للقطيع فقط الذي ظلمته وسرقته منك ولكني أخطأت لك أنت يا صاحب القطيع والشر قدام عينيك قد صنعت . إن الملك دائما لا يخضع لشرائع الناس بل لشريعة الله ، لأجل ذلك قال ( لك وحدك أخطأت ) بتجاوزي شريعتك . لأن من يخطىء في وصية واحدة منها فقد أخطأ في الكل .
5 – " هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي " .
يتكلم داود النبي هنا عن الجسد فيقول أنه ( بالأثم صور ) وقد شوهته الخطية ليس كما خلقته يد الله لكن بسبب خطية أبوينا الأولين فإننا دخلنا إلى العالم ومعنا طبيعة فاسدة تدهورت من الطهارة والأستقامة الأولى لصور تعسة ، ولدينا فخاخ الخطية منذ ولدنا فى أجسادنا ، وفي أنفسنا بذور الخطية وبأجسادنا لطخة الأثم ، هذه هي الخطية الأصلية ، إنها قديمة مثل أصولنا وهي السبب في كل تعدياتنا الفعلية وهي الجهل الذي يوجد فى قلب الإنسان والأشتياق للشر والأبتعاد عن الصلاح .
6– " ها قد سررت بالحق في الباطن ،
ففي السريرة تعرفني حكمة " .
لم يشك داود في قبول الله له وكان يتوسل أن يحقق الله رغباته وهي أن يجعله في سريرته يعرف الحكمة فيتنبه إليها ويمنع التصورات السابقة فكأنه يقول : أعطني أن أعرف الحكمة فحيثما يكون الحق يعطى الله الحكمة ، وأولئك الذين يحاولون أداء أعمالهم بإخلاص يعلمهم الله واجباتهم
7 – " طهرني بالزوفا فأطهر ،
أغسلني فأبيض أكثر من الثلج " .
يخبرنا الوحي الإلهي فى سفر الخروج : إن الله أمر بني إسرائيل بأن ينضحوا بالزوفا على عتبة أبوابهم العليا مع القائمتين بدم الحمل ليمنعوا به المهلك من الدخول ( خر 12 : 22 ) وكان دم الحمل إشارة إلى دم المسيح حمل الله الذي ذبح لتطهير خطايانا ، أما الزوفا فبما أنها من العشب الحار فإنها تغسل الأدناس الظاهرة والباطنة فتكون رسما للمعمودية المقدسة المطهرة لأدناس الخطايا بحرارة الروح القدس والتي تغسلنا وتبيضنا أفضل من الثلج لأن الذين يحفظون المعمودية من غير دنس [ يشرقون كالشمس في ملكوت الله ] ( مت 13 : 43 ) . فهذا الأمر هو الذي قد اتضح للنبي من الغوامض والمستورات .
8 – " أسمعني سرورا وفرحا ،
فتبتهج عظام سحقتها "
أسمعني سرورا وفرحا يارب لأن الحزن قد أضناني وعيناي كلت من الغم . نور عيني قد فارقني ، عظامى بليت من زفيري اليوم كله على خطاياي ، فأسمعني سرورا وفرحا فتبتهج العظام التي سحقتها بالتأديب والوعيد ، أعطني الفرح بخلاصي من خطيتي فيسمع صوت التهليل من عظامي ، لأن صوت التهليل والخلاص هي فى مساكن الأبرار ( مز 118 : 15 ) أي في ضمائرهم ، فحين ترفع خطيتي سأكون بارا ، عندئذ يسمع صوت التهليل فى مسكني أي في ضميري
إن السرور والفرح هما ثمرة من ثمار الروح القدس كما وضح ذلك بولس الرسول فى رسالته إلى أهل غلاطية ( 5 : 22 ) ووجود الروح وشهادته في قلوبنا أننا أبناء الله ومثمرين هذه الثمار علامة على فعل التبرير الكامل للإنسان .
9 – " أستر وجهك عن خطاياي وامح كل آثامي " .
+ إننا إذا عملنا أعمالا صالحة يتجه نظر الله إليها بينما يصرف وجهه عن خطايانا فالنبي يطلب محو كل المآثم لأنه لو بقيت منها واحدة تمنع الدخول إلى ملكوت الله كما إنه إذا كان دنسا يسيرا في الثياب يمنع من الدخول إلى بيت الملك . ويصدق هذا القول ما قد كتبه بولس الرسول قائلا : " لا تضلوا فإنه لا زناة ولا عبدة أصنام ولا فاسقون ، يقدرون أن يدخلوا ملكوت السموات " ( 1 كو 6 : 9 )
10 – " قلبا نقيا أخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي " .
إن كل ما خلقه الله هو طاهر وجيد وحسن جدا ، فقلب الإنسان مخلوق إلهي حسن فكيف يغيره الله ؟؟ إن النبي لا يقصد أن يخلق الله له قلب لحمى غير ذلك الموجود فيه ولكن يخلق له نقاوة جديدة فى قلبه ويطهره من الأفكار النجسة التي نجسته وعوجت مسلكه .
أما الروح المستقيم هنا فهو الضمير كما يقول الكتاب المقدس ( إنه لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه ) ..
11 – " لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني "
إن العبد يعتبر صرف وجه سيده عنه خسارة عظيمة وكذلك الإبن إذا صرف أبوه نظره عنه بعدم إعطائه المشورة والإرشاد ، وأيضا الجندي إذا أقصاه الملك من طلعته .
وأما الله فإذا طرح الإنسان من نظره يكون ذلك هلاكا له وإبادة لأن الله هو سيدنا وأبونا وملكنا وخالقنا وكل ما يوافق لوجودنا وخلاصنا فهو علته وسببه .
وصرف وجه الله عن الإنسان هو أن ينزع منه الروح القدس أعنى المنح التي أعطاها له لما نفخ فى وجهه وصيره ذا حياة ، وقد قال ربنا له المجد عن الذين كانوا فى عهد نوح [ لا يدين ( لا يلبث ) روحي في الإنسان لأنه بشر ] ( تك 6 : 3 ) . فروح قدس هو موهبة الله كما نفخ ربنا في رسله القديسين وقال لهم : " اقبلوا الروح القدس " ( يو 20 : 22 ) . وبه أعطاهم موهبة الحل والربط لخطايا البشر ...+++