كثيرون منكم لا يشبهون مسيحكم
▼▼▼▼▼▼▼▼▼▼▼▼
على الرّغم من كون غاندي هندوسيًّا ، لكنه أُعجب بشخص السيد المسيح بشكل واضح ، فكان يقرأ الكتاب المقدّس باستمرار ، و يستشهد في أحاديثه بكلمات المسيح و بخاصّة الموعظة على الجبل (متّى 5، 6، 7) .
كان لـ"غاندي" أصدقاء مُرسلون كثر ، منهم "أ. ستانلي جونز" الّذي سأله يومًا : "إنْ كنتَ مُعجبًا بالمسيح لهذه الدّرجة ، لماذا ترفض أن تصير من أتباعه ؟" أجاب غاندي عندها : "أنا لا أرفض المسيح بتاتًا ... بل أنا أُحبّ مسيحكم ، ولا أحبّ مسيحيّتكم . فكثيرون منكم لا يشبهون مسيحكم" .
ما رآه "غاندي"، هو فرق شاسع بين ما قاله المسيح و ما يقوله و يعيشه المسيحيّون الّذين عرفهم . فقد بدأ رفض "غاندي" لهم ينمو بعد هذه الحادثة ؛ عندما كان "غاندي" شابًّا يافعًا يمارس المحاماة في جنوب إفريقيا ، جذبه الإيمان المسيحيّ ، فدرس الكتاب المقدّس و بخاصة تعاليم المسيح ، و كان يفكّر جدّيًّا في التّحوّل إلى الدّيانة المسيحيّة . و في يوم أحد ، قرّر أن يشارك بعض المسيحيّين في خدمتهم الصّباحيّة في الكنيسة ، فصعد درج المبنى الكبير ، و بينما كان يَهُمّ في السير نحو باب الكنيسة ، أوقفه مسؤول في الكنيسة ، و سأله: "ماذا تظنّ نفسك فاعل ؟" أجاب "غاندي": "أُحبّ أن أحضر خدمة الكنيسة". أجابه الرّجل : "لا مكان لأمثالك هنا ، أُخرج و إلاّ سأطلب من مساعدي رميَك عن الدّرج" .
منذ ذلك الحين قرّر "غاندي" أن ينسى أمر تحوّله إلى المسيحيّة ، و اكتفى بتبنّي أقوال المسيح و التّقيّد بها . و ما وجده "غاندي" في المسيح هو مثال أعلى يُقتَدى به : فالمسيح بشّر بمحبّة الله و القريب و حتّى الأعداء . و أمَر بمسامحة الآخرين كشرط لمسامحة الله لنا . و عَلَّمَ عن قبول الآخرين من دون تمييز بين لون أو عرق أو جنس . عاش التّواضع و أمرنا أن نتعلّم منه . تحنّن على النّاس ، سدّ احتياجاتهم الزّمنيّة و الرّوحيّة و النّفسيّة . دان محبّة المال و التّسّلط و حبّ الظّهور . و هو لم يؤسّس طائفة ، بل طلب و لا يزال يطلب أتباعًا يسمحون له بالعمل في حياتهم ، من خلال روحه ، ليعكسوا صورته في الأرض . المسيح يريد أتباعًا يتجلّى فيهم ثمر الرّوح من محبّة و فرح و سلام و طول أناة ، و لطف و صلاح و إيمان و وداعة و تعفّف (غلاطية 5: 22- 23). و هو مَن قال :" فَلْيُضِئْ نورُكم هكذا قُدّام النّاس ، لكي يَرَوا أعمالَكُم الحسَنَة ، و يُمَجّدوا أباكُم الّذي في السّماوات"(متّى 5: 16) .
و تبقى المسيحيّة الحقيقيّة هي الالتزام بشخص المسيح و تعاليمه . و هي قرار نأخذه بكلّ وعي بتسليم حياتنا لِمَن أسلَمَ حياته لأجلنا ، و الّذي يُحوّل حياتنا 180 درجة من أبناء للظّلمة إلى أبناء للنّور بقوّة الرّوح القدس . أمّا حاملو اسم المسيح ، الّذين يدعونه بألسنتهم من دون أن يسكن قلوبهم أو أن يظهر في حياتهم ، فالأحرى بهم أن يتذكّروا قوله : "ليسَ كلّ مَن يَقول لي : يا ربّ ، يا ربّ ! يَدخُل ملكوت السّماوات . بل الّذي يَفعَل إرادَة أبي الّذي في السّماوات" (متّى 7: 21) . فلو تجلّت تعاليم المسيح السّامية بشكل ثابت في أتباعه أيّام "غاندي" ، لأصبح "غاندي" مسيحيًّا من دون أدنى شكّ .