في هذا اليوم المبارك نتذكرعيداً من الأعياد المسيحية الهامة والشعبية ..
انه عيداً ليس ككل الأعياد؛ إنه
† عيد الصليب †
العيد الذي به نحتفل بوجود رمز خلاصنا ونتذكر في هذا اليوم قصة حبٍ عظيمة
ما عرف تاريخ البشرية مثلها ..
هذه مناسبة ودعوة لنبحث فيها مع الملكة هيلانة من جديد عن الصليب الممجَّد
في حياتنا ونحتفل بإنارة الأضواء في دواخلنا.
عيد الصليب من الأعياد المسيحية الهامة والشعبية حيث تشعل فيه النار تخليداً لذكرى اليوم
الذي وجد فيه
وإشعال النيران في قلوبنا، نيران الحقيقة، نيران الحب،نيران التضحية والغفران.
ولنطلب من الرب معاً أن يساعدنا فنحمل صُلباننا ونسير بثقة وسط الجموع،
ونحتضنها بحب وفرح ونرفعها حتى نُرفعُ عليها لنكون على غرار ذاك الذي أحبَّنا
وأسلَم ذاته بتواضع معلَّقاً على الصليب، ليقول لكلِّ واحدٍ منا:
هذا ما أقصده عندما أقول لك إنّي أحبُّك.
قصة الصليب والعثور عليه
بعد صلب المسيح وقيامته قام البعض من اليهود المتعصبين بردم قبر المخلص
ودفن الصليب المقدس وصليبَي اللصَّين الآخرين اللذين كانا معه،
لإخفاء معالم صليب ربنا يسوع، نظراًَ للمعجزات التي كانت تحدث هناك وبجوار القبر المقدس.
فاختفى أثر الصليب مذ ذاك ولمدة تناهز ثلاثة قرون من الزمان.
وفي مطلع القرن الرابع الميلادي أراد قسطنطين الكبير
(من ولادة صربيا، وهو إبن الإمبراطور قسطنطينوس الأول)
أنْ يأخذ روما ويُصبح إمبراطور الغرب. شنَّ سنة 312 معركة ضد عدوه ماكسينـتيوس
Maxentius على مشارف المدينة بالقرب من نهر التايبر،
وفي الليلة التي سبقت المعركة ظهر الصليب في السماء محاطاً بهذه الكلمات بأحرف بارزة من نور:
"بهذه العلامة تغلب".
كانت أم قسطنطين الملكة هيلانة مسيحية، لذا كان لدى قسطنطين معرفة مسبقة ومودَّة تجاه المسيحية،
لكنَّه نفسه لم يكن مسيحياً آنذاك. فجعل راية الصليب تخفق على كل راية وعَلَم،
وخاض المعركة وانتصر على عدوِّه. ولما أصبح قسطنطين إمبراطوراً على أوروبا باكملها،
شرقاً وغرباً في 315-324 بعث الكنيسة من ظلمة الدياميس،
وأمر بهدم معابد الأصنام وشيَّد مكانها الكنائس.
بعدها نذرت أمّه القديسة هيلانة أنْ تذهب إلى أورشليم لنوال بركة الأراضي المقدسة،
بالقرب من جبل الجلجلة. فأمرت بتنقيب المكان، وتم العثور على 3 صلبان خشبية،
ولما لم يستطيعوا تمييز صليب الرب،
إقترح القديس كيرلِّس بطريرك أورشليم بأنْ يختبروا فاعلية الصليب،
ولأجل ذلك أحضروا ميتاً ووضَعوا عليه أحد الصلبان فلم يحدث شيء،
وضعوا الثاني ولم يحدث شيء أيضا، وعندما وضعوا الصليب الأخير قام الميت ومجَّد اللـه،
وبذلك توصَّلوا إلى معرفة الصليب الحقيقي للسيد المسيح.
أما قصة شعلة النار التي نوقدها في عيد الصليب فأصلها أنْ كانت فِرقُ الجنود المكلفة
بالبحث عن الصليب قد اتفقت على إشارة إضرام النار في حال وَجَدَت إحداها عود الصليب.
وهكذا أضاءت المدينة كلها بوميض الشعلات ساعة إيجادها لعود الصليب،
وكان ذلك اليوم هو الرابع عشر من ايلول،
ولهذا السبب فإننا نحتفل بعيد الصليب بنفس هذا اليوم.
كما وامر الملك قسطنطين ببناء كنيسة في نفس موضع الصليب على جبل الجلجلة،
وسميت بكنيسة القيامة، (وتسمى باللغات الغربية بأسم كنيسة القبر ايضاً)
وهي لا تزال موجودة الى يومنا هذا.
(وقد عمل احتفال التدشين لمدة يومين متتاليين في 13 و 14 ايلول سنة 335
في نفس ايام اكتشاف الصليب).
ويُذكر أنَّ جمعاً غفيراً من الرهبان قد حضر حفل التدشين هذا،
قادمين من بلاد ما بين النهرين وسوريا ومصر وأقاليم أخرى، ومابين 40 الى 50 اسقفاً.
لا بل أن هناك من ذهب إلى القول بأنَّ حضور الإحتفال كان إلزامياً والتخلُّف عنه كان بمثابة خطيئة
جسيمة...).
أما في (ق7) فقد حدث وأنْ دخلت جيوش كسرى ملك الفرس إلى أورشليم ظافراً،
وتم أسر الألوف من المسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك زكريا،
وأُضرِمت النار في كنيسة القيامة والكنائس الأخرى بتحريض من اليهود القاطنين في أورشليم،
ونجا الصليب المكرَّم من النار بهمّة المؤمن يزدين الكلداني،
لكنهم أخذوه غنيمةَ مع جملة ما أخذوا من أموال وذهب ونفائس إلى الخزانة الملكية.
وبقي الصليب في بلاد فارس حوالي 14 سنة.
ولما انتصر هرقل الملك اليوناني على الفرس،
تمكَّن من إسترداد ذخيرة عود الصليب أيضا وكان ذلك سنة 628.
فأتى إلى القسطنطينية التي خرجت بكل مَن فيها إلى استقباله بالمصابيح وتراتيل النصر والابتهاج
ثم أُعيد الصليب إلى أورشليم من جديد. ومنذ ذلك الحين بقي الصليب في أورشليم.
فيما تبقى من زمن، فان الملوك والأمراء والمؤمنين المسيحيين بعد ذلك بدأوا يطلبون قطعاً
من الصليب للإحتفاظ بها كبركة لهم ولبيوتهم وممالكهم.
وهكذا لم يتبقَ في يومنا هذا من خشبة عود الصليب الاصلية الا قطعتَين،
الأولى لا تزال في أورشليم، والثانية في كنيسة الصليب المقدس في روما.
أن إنجيل اليوم يكشف لنا المعنى الحقيقي لسر الصليب: "
هكذا أحب العالم حتى إنه وهب ابنه الوحيد، لكي ينال البشر الخلاص"،
بصليب المسيح نلنا الخلاص: "أداة الحكم بالموت التي أظهرت نهار الجمعة العظيمة،
حكم الله على العالم، باتت منهل حياة وغفران ورحمة، علامة مصالحة وسلام"
فعندما ننظر إلى الصليب "نعبد ذلك الذي أتى لكي يرفع خطيئة العالم ولكي يهبنا الحياة الأبدية".
والكنيسة تدعونا إلى أن "نرفع بفخر هذا الصليب المجيد لكي يتمكن العالم
أن يرى إلى أي حد توصل حب المصلوب للبشر"، "
تدعونا لكي نشكر الله لأنه من شجرة تحمل الموت، ظهرت حياة جديدة".
في المسيحية أصبح الصليب علامة يعتز بها المؤمن المسيحي هذا يتجلى في حياتنا اليومية
فأننا نستخدم علامة الصليب في كل وقت ( وقت الفرح, وقت الحزن, وقت الألم...)
وخصوصاً في أيامنا هذه وما فيها من الألم والمعاناة .
إشارة الصليب هي نوعًا ما خلاصة إيماننا، لأنها تقول لنا كم أحبنا الله؛ تقول لنا أن في العالم
حب أقوى من الموت أقوى من ضعفنا وخطايانا. الحب أقوى من الشر الذي يهددنا".
. ان الصليب الذي نتحدث عنه اليوم، هو صليب المسيح الذي تحمله بحب وحرية كاملين:
أنه سر الحب الذي دفع الأب ليقدم ابنه ذبيحة عنا، لأنه ما من حب أعظم من هذا ،
ان يبذل المرء نفسه عن أحبائه. على الصليب مات يسوع وغفر خطايانا،
وعلى صليبنا لنمت عن خطايانا ونرتقي الى يسوع .
أمين.
أسماء العيد
للعيد أسماء عديدة منها
عيد الصليب المقدس او عيد اكتشاف الصليب المقدس،
ويسمى ايضاً عيد رفع الصليب الكر يم المحي في كل العالم
او يسمى عيد ارتفاع الصليب.
ومن العادات الشعبية المقترنة بعيد الصليب :
أولاً إشعال النار على قمم الجبال او أسطح الكنائس والمنازل او في الساحات العامة، وترجع هذه العادة الى النار التي أمرت القديسة هيلانة باشعالها من قمة جبل الى أخرى لكي توصل خبر وجانها للصليب لأبنها الإمبراطور قسطنطين في القسطنطينية، اذ كانت النار هي وسيلة التواصل السريع في ذلك الزمان عندما كانت وسائل المواصلات والأتصالات بدائية وبطيئة.
وهناك عادة شعبية ثانية يمكن ذكرها وهي انه يوزع في مثل هذا العيد ثمر الرمان على باب الكنائس وذلك لآن حبة الرمان ترمز الى الحياة والخلود فعندما تفتح الرمانة تجد بأن حباتها حلوة ولكنها مغلفة بغلاف مر او حامض, وفي هذا رمز : أن السيد المسيح كان يجب ان يمر بمرارة الألم والصلب والموت لكي يصل الى حلاوة ومجد القيامة والحياة.
اما في ايامنا هذه فتزين اسطح المنازل بوضع صليب مزين بالمصابيح الجميلة
هكذا صار إيقاد شعلة النار تقليداً للإحتفال بعيد الصليب لدى المسيحيين
في كل مكان في الرابع عشر من أيلول كل عام.
الخاتمة
الصليب هو العنصر الجوهري في الفداء وله مكانته
في حياة من جعل المسيح مثاله وأصل وجوده وحياته.
وبعد ان كان الصليب رمزاً للأهانة والعار والة للقتل ،
أصبح في المسيحية رمزاً للخلاص الألهي ووجهاً للتفاؤل والأمل المسيحي.
هذه هي قوة الصليب هذا هو النور الذي يشع من الصليب
والذي نرمز اليه بمشاعل على رؤوس الجبال في عيد ارتفاع الصليب،
ظل الصليب مخفياً حتى اكتشفته القديسة هيلانة.
وظل خفياً في قلوب الذين كانوا تحت أثقال الحياة وآلآمها .
ولكنه سيتجلى فينا بفضل قيامة بدأت فعلها منذ قيامة المسيح.
ولن ينتهي هذا الفعل قبل نهاية العالم.
هذا ما يقوله لنا القديس بولس في رسالته الثانية الى أهل كورنتوس( 5: 1)
قد تتهدم خيمتنا الأرضية . ولكن لنا في السماء بيتاً أبدياً لم تصنعه الأيدي.
قد يشتد الضيق الحاضر ولكنه يهيئ لنا مجداً ابدياً لا حد له .
قد نجبر على المرور في الألم والموت, ولكن المسيح انتصر فينا وهو يهيئ لنا الغلبة لأنه أحبنا.
كل عيد صليب وأنتم طيبين