الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي!
********
يحيا المؤمن على الأرض بين هاتين القمتين الرائعتين:
القمة الأولى إدراكه لِما عمله المسيح لأجله، وهذا الإدراك يدفعه لبلوغ القمة الثانية
وهي أن يسعى لأن يكون بجملته لأجل المسيح. القمة الأولى منشؤها عمل نعمة الله لأجلنا،
والقمة الثانية نتيجة عمل نعمة الله فينا. وبين هذا وذاك يمكننا تتبع كل نواحي الاختبار المسيحي
بلوغا لهذا الهدف السامي "المسيح الكل في الكل، ويستحق الكل".
فعن لقمة الأولى والتي شعارها "من أجلي" كتب في
(رومية4: 25) عن السيد أنه "أسلم من أجل خطايانا، وأُقيم لأجل تبريرنا".
فموت المسيح كبديلنا حسم مشكلة خطايانا، أما قيامته فوضعت أساس تبريرنا أمام الله بصورة شاملة.
ثم يتحدث في (رومية8: 32) عما عمله الله لأجلنا في مشهد الكفارة،
فيقول إن الله "لم يُشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين". وبالتالي "
كيف لا يهبنا أيضا معه كل شيء؟".
أما في (غلاطية2: 2) فبصورة بديعة خصص هذه المحبة الإلهية لنفسه،
الأمر الذي يمكن لكل مؤمن أن يفعله ويقول مع الرسول: "ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي".
نعم يا نفسي لا تبحثي كثيرا ولا قليلا عن محبة صادقة فيمن حولك،
وكُفّي عن انتظار محبة البشر، فابن الله شخصياً أحبك، وكان موته على الصليب برهان ذا الحب.
وكفاك بالمحبة الإلهية زادا، وكفاك بالحبيب نفسه نصيباً!
وإذ عاش الرسول متمتعاً بهذه القمة البديعة، ومحصوراً بتلك المحبة الفريدة (2كو5: 14)،
أمكنه أن يبلغ القمة الثانية والتي شعارها "من أجله".
فكتب في رسالة فيلبي عن اختباره قائلاً: "لكن ما كان لي ربحا"
أو أرباحاً من الامتيازات الشخصية والدينية السبعة التي ذكرها لتوه "
فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة" هذا عن الماضي "حسبته".
فماذا عن الحاضر؟
يستطرد الرسول "بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل (أو امتياز)
معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء،
وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه" (في3: 7-9).
إنه على قدر تمكّن النفس وتمتع القلب بالقمة الأولى، حيث إدراك ما عمله الرب لأجلنا،
على قدر سرعة بلوغنا القمة الثانية، حيث حياة التكريس له، والعيشة لمجد اسمه.
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †