*أسلوب المديح*
من حيث الاسلوب نجد في صياغة قنداق المديح استعمالا لنوعين أدبيين،
الاول هو ما يسمى بالنشائد الشعرية، وقد صيغت فيه الابيات المزدوجة،
وفاتحات الابيات المفردة.
والملاحظ ان كل بيت مزدوج يتألف من ست جمل شعرية حسب التقسيم
في اللغة اليونانية الأصلية، كذلك كل فاتحة من فاتحات الابيات المفردة.
بذلك يصبح لدينا اثنتا عشرة جملة شعرية في كل بيتين.
النوع الثاني هو اسلوب النشائد الابتهالية،
وقد صيغت فيه الجمل الشعرية التي تأتي بعد فاتحات الابيات المفردة،
والتي تبتدئ بعبارة "افرحي"،
منظومة على نمط الموازاة الذي يكثر استعماله في المزامير الكتابية،
وهو ان تُردّد معنى واحداً في جملتين مختلفتي التعابير.
هنا ايضا نجد اعتماداً على العدد 12 في التقسيم.
دخل العدد 12 في التركيب الشعري للمديح بسبب اهميته،
اذ يرمز الى والدة الإله،
"المرأة التي على رأسها اكليل من اثني عشر كوكباً"،
كما اشير اليها في (رؤيا 12: 1).
*مضمون المديح*
اما من حيث المضمون، فيقسم قنداق المديح الى قسمين:
تاريخي ولاهوتي.
يشمل القسم التاريخي الابيات الـ 12 الاولى،
وفيه سرد لاحداث البشارة، والميلاد، والدخول الى الهيكل
كما وردت في الاصحاحين الاولين من انجيلي متى ولوقا.
اما القسم اللاهوتي فيشمل الابيات الـ 12 الاخيرة،
وفيه اعلان لعقيدة التجسد، وتأمل في دور والدة الاله.
*المديح تاريخياً*
وكما رأينا اعلاه،
كُتب قنداق المديح اصلا لكي يُتلى في سَحَر عيد البشارة،
وقد كان يُحتفل به في السادس والعشرين من كانون الاول
كتقدمة لعيد الميلاد الذي كان مقروناً بعيد الظهور الإلهي في السادس من كانون الثاني.
في عهد الامبراطور يوستينيانوس (527-567)
نُقل عيد البشارة الى الخامس والعشرين من آذار،
واحتفظت الخدمة بالقنداق،
فيما اصبح السادس والعشرون من كانون الاول عيداً جامعاً لوالدة الإله.
حتى ذلك التاريخ كان قنداق المديح يُتلى مرة في السنة في سَحَر عيد البشارة.
في السابع من آب 626، إثر نجاة القسطنطينية من ايدي الفرس والأفاريين
الذين كانوا يحاصرونها، اجتمع الشعب في كنيسة الحكمة الإلهية،
ورتلوا قنداق المديح وقوفاً بعد ان اضاف اليه البطريرك سرجيوس مقدمة اخرى هي
"اني انا مدينتك".
منذ ذلك الوقت صار القنداق يرتل مرة ثانية في عيد نجاة القسطنطينية في السابع من آب.
في وقت لاحق اندمج هذا العيد بعيد البشارة.
بعد القرن التاسع صار هناك انحسار في استعمال القنداق بشكل عام.
واحتُفظ منه بالمقدمة، وصارت تسمى قنداقاً، وببيت من ابياته المتعددة،
هذا ما نجده في كتبنا الطقسية في "القنداق"
و"البيت" اللذين نتلوهما قبل البدء بالكاطافاسيات مباشرة.
ونجد هذا الاختصار في سَحَر عيد البشارة حيث ان القنداق هو "اني انا مدينتك"،
والبيت هو البيت الاول من الق
قنداق الكامل، يردان بعد الاودية السادسة من القانون.
نقل البطريرك القسطنطيني فوتيوس قنداق المديح
من سحر البشارة الى السبت الخامس من الصوم،
بسبب امكانية وقوع عيد البشارة بين الاسبوع العظيم
ونهار الاربعاء بعد الفصح، واضاف اليه قانون يوسف المنشئ.
ومنذ ذلك الوقت صار يُعيَّد لعيد المديح في السبت الخامس من الصوم.
لهذا السبب، في ممارستنا الحالية، نتلوه كاملا في ذلك الوقت.
اما تقسيمه الى ادوار، وتوزيعه على اربعة اسابيع،
وارتباطه بصلاة النوم الصغرى، فهو تقليد متأخر.
*مؤلف المديح*
لقد تضاربت الآراء حول واضع النشيد.
فقد نسبه العالم اليوناني باباذبولس كيرامفيس الى البطريرك فوتيوس في القرن التاسع ،
وهذا زعم لا يسلم به أحد اليوم.
ونسبه آخرون الى بطريرك القسطنطينية سرجيوس الأول (610-638)،
آخرون نسبوه الى جورج بيزيدس أمين مخطوطات كنيسة الحكمة الالهية
(أجيّا صوفيا) في عهد الملك هرقل.
على أن النقد العلمي الحديث يرجح انتسابه الى القديس رومانس الحمصي
المنشأ إمام الشعراء والمنشدين الكنسيين.
ولد هذا القديس في أواخر القرن الخامس
في حمص التي كانت عاصمة سوريا الوسطى ،
من عائلة يهودية الاصل وكان شماساً انجيلياً،
خدم في كنسية القيامة في بيروت،وانتقل بعد ذلك الى القسطنطينية،
في أولخر عهد الملك انسطاسيوس الأول(491-518)على الأرجح.
وقد ظهرت له العذراء في الحلم في كنيسة منطقة كيروس المشيّدة
على اسم والدة الإله ودفعته الى نظم الشعر والكتابة.توفي حول سنة 556
تاركاً ما يربو على ألف نشيد ديني،لم يبقى من هذه الأناشيد اليوم سوى مئتين،
بعضه مبعثر في رتب الفرض الإلهي.
ووفقاً لمعظم الآراء وتاريخية المديح فإن مؤلف قنداق المديح
على الأغلب هو القديس رومانس المرنم،
الحمصي الاصل (عاش في القرن السادس)،
وقد كان رائداً في كتابة هذا النوع من الشعر.