عظة للقديس يوحنا ذهبي الفم عن كيفية الاستعداد للصوم
ألقاها القديس في الاستعداد للصوم الأربعيني في إحدى السنوات بين 386 - 397م
- ينبغي أن يفرح المسيحيون بقدوم الصوم لأن خيراته كثيرة:
إن اجتماعنا اليوم مُفرحٌ وأكثر بهاءً من الاجتماعات المعتادة، ترى ما هو سبب ذلك؟
إن مصدر هذا الابتهاج هو الصوم. الصوم الذي لم يبدأ بعد، ولكننا ننتظره.
هذا الصوم جمعنا في بيت الآب، الصوم أحضركم إلى بيت الأم.
فإن كان انتظاره فقط جلب لنا غيرة عظيمة، تخيّلوا كم يخلق مجيئه وحضوره وقاراً وتقوى فينا!!
نحن نشبه مدينة كانت تسودها الفوضى، ولكن عندما علمت هذه المدينة
بأن رئيساً مهيباً ينوي أن يزورها، بدأت فوراً تتأهب لاستقبال هذا الرئيس.
لكن لا تخافوا مما سمعتم بأن الصوم مثل رئيس مهيب، لأنه ليس مخيف لنا، لكن لجنس الشياطين.
إن كان يوجد شخص به شيطان، واجهه بالصوم، فإنه سيرتعب خوفاً،
وسيظل متحجراً وأصلد من الصخر، وسيظهر كأنه مقيّد بقيدٍ.
وسيعاني كثيراً جداً من ذلك، عندما يُصحب الصوم بالصلاة،
إذ يقول ربنا يسوع المسيح:
"هذا الجنس (الشياطين)لا يخرج إلا بالصلاة والصوم" (متى 17: 21)
إذن، فطالما أن الصوم يُبعد أعداءخلاصنا بعيداً جداً، وأيضاً يرعبهم،
فعلينا أن نحبه ونرحّب بقدومه ولا نخاف منه.
وإن كان ينبغي أن نخاف شيئاً،
فعلينا أن نخاف من السُّكر والإدمان والإفراط في الأكل، وليس من الصوم.
لأن أكلنا وشربنا يقيّد اليَدّ (عن إعطاء الصدقة)،
ويسلمنا عبيداً وأسرى للطاغية (الشيطان)، كما إلى امرأة شرّيرة.
وبعكس الأكل والشرب،
فالصوم يفك قيودنا ويخلّصنا من الطاغية، ويردّنا إلى حريّتنا الأولى.
- الصوم يرفع البشر ويقرّبهم من الله:
أتريد أن تعرف كم يزيّن الصوم البشر،
كم يحميهم من كل جانب، كم يؤمّن حياتهم؟
أرجوك أن تتأمّل النظام الحلو والجميل في حياة الرهبان.
هؤلاء الذين تركوا ضجة العالم، وصعدوا قمم الجبال،
وأقاموا قلاليهم داخل الصحراء في الهدوء، وكمثل ميناء هادئ،
جعلوا الصوم صديقهم ورفيقهم مدى الحياة.
وهكذا نرى أن الصوم جعل البشر يصيرون ملائكة.
وليس هؤلاء فقط (أي الرهبان)، لكن الذين يمارسونه في المدن، يصعدهم إلى قمة الفضيلة.
هكذا عندما أراد النبيّان العظيمان موسى وإيليا أن يقتربا من الله ويتحدثا إليه،
لجئا إلى الصوم،
وبمعونة الصوم صارا في شركة مع الله.