« أنا عطشان » (يوحنا 19 : 28)
**********
هذه أقصر كلمات المسيح التي نطق بها وهو على الصليب، فجاءت حسب الترجمة العربية في كلمتين :
« أنا عطشان » ولكنها في الأصل اليوناني كلمة واحدة، قصيرة في لفظها،
لكنها عميقة في معناها.
نطق بها المسيح وهو يتجرع الآلام، التي أصبحت قصة الفداء التي يستعذبها البشر المفديون!
لقد استساغ المسيح المر لنشرب نحن الحلو!
وأعلن احتياجه لنعلن نحن حاجتنا إليه!
وتوسل للبشر الضعفاء طالبا شربة ماء، ليكون مطمح الذين يرجونه من البشر،
ومعقد أمل اللاجئين منهم إليه، فقد أتعبه العطش ليروي كل ظمآن يقصد مراحمه من نهر الحياة الصافي.
كان العطش قد أخذ من المسيح كل مأخذ نتيجة آلام عشرين ساعة متواصلة من جثسيماني،
إلى المحاكم، إلى الجلجثة حيث أصابته حمى محرقة بسبب جراحه البليغة الخطيرة،
فجف ريقه ويبس لسانه، وتحققت فيه نبوة المرنم:
«يبست مثل شقفة قوتي، ولصق لساني بحنكي»
(مزمور 22 : 15).
ومن العجيب أنه وسط كل هذه الآلام، وبعدما عانى في ساعات الظلمة هول الدينونة الرهيب،
نراه متمالكا لنفسه، صادقا في محبته للكلمة المكتوبة.
وإذ رأى أن كل شيء قد تم، وبقي إتمام النبوة القائلة:
« ٱنتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد ... وفي عطشي يسقونني خلا »
(مزمور 69 : 20 و 21).
فلكي يتم الكتاب قال: «أنا عطشان»
قد بخل عليه اليهود بنقطة ماء وهو مشرف على الموت،
بسبب ما كان في قلبهم عليه من حقد.
واستهزأ به جنود الرومان لبلوغه هذا الدرك من العجز والبؤس،
فأخذ أحدهم اسفنجة وملأها خلا ووضعها على قصبة وسقاه.
فلما ذاق ذلك الخل الذي لا يسيغه الفم قال: « قد أكمل ».
وهكذا مات بين أعدائه في شدة العطش.
وإذا أمعنا النظر في قوله له المجد: « أنا عطشان »
تتجلى لنا شخصيته المباركة في أربعة أمور :
طبيعته، وعمله، ومثاله، ومطلبه.
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †