تأمل:
لماذا قال المسيح وهو على الصليب، أنا عطشان! (يوحنا 28:19)
****************
من أجل خطاياي ايها الأخ، ومن أجل خطاياك، جف حلق الرب عل الصليب
و"لصق لسانه بحنكه" ويبست مثل شقفة قوته" (مز 15:22) ...
مياه جسده قد تصفت ونزفت، وذلك لأسباب كثيرة:
بعضها لأجل العرق الكثير الذي سال منه كقطرات دم
وهو يجاهد لأجلنا في بستان جثسيماني (لو 44:22).
والعرق الذي سال منه في الطريق وهو يحمل الصليب
وطوال المدة تحت أشعة الشمس المحرقة في نصف النهار
وبخاصة من أجل التعب والارهاق والانهاك الذي تعرض له في كثيرة المحاكمات وكثرة اللطمات.
يضاف إلى كل هذا الدم الكثير الذي نزف منه، بسبب الجلد المريع
وبسبب اكليل الشوك، وبسبب المسامير ...
لكل ذلك جف حلقه، واحتمل حتى لم تبق في جسده قوة، فقال "أنا عطشان" ...
وبهذا أعلن ان الطريق اخذ سبيله إلى الحديد المحمى بالنار
أو أعلن ان النار بدأت تلتهم ذبيحة المحرقة.
أو اعلن ان العدل الالهي يتقاضى أجره، وان اللاهوت (كعهده)
لم يتدخل لتخفيف الالم عن الناسوت، فكان ألما كاملا
تنسم منه الآب رائحة الرضا، وعبر عنه الابن بعبارة "أنا عطشان" ...
فليخز الآن أوطيخا الذي قلل من حقيقة ناسوت الرب.
فلو لم يكن ناسوته كاملا، ما قال "أنا عطشان" ...
عجيب ان يعطش الينبوع، الذي يهب الماء الحي لجميع العطاش
(يو 37:7).
الذي قال للمرأة السامرية:
"من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد.
بل الماء الذي أعطية، يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو 14:04).
*****
ماذا كان يقصد بعبارة "أنا عطشان"؟
لا شك أنه كان عطشانا فعلا من الناحية الجسدية.
ومن الناحية الروحية كان عطشانا ايضا لهذا الخلاص الذي يقدمه للعالم
كان عطشانا لعبارة "قد أكمل" التي سيقولها بعد ...
مثلما قال للمرأة السامرية "اعطيني لأشرب" ولم يكن يقصد هذا الماء المادي
"الذي كل من يشرب منه يعطش ايضا (يو 07:04، 13)
والذي لم يأخذه منها.
وانما كان عطشانا اليها هي والى أهل السامرة، إلى خلاصها وخلاصهم.
ولم يقل "أنا عطشان" لكي يأخذ من الناس ماء.
كان يعرف انهم سيقدمون له خلا! (متى 44:27،48).
كان يعرف ذلك بلاهوته الذي ينكشف أمامه الغيب والمستقبل.
وكان يعرف ذلك من حيث معرفته بالنبوءة التي تقول
"وفي عطشي يسقونني خلا" (مز 21:69).
لم يقل "أنا عطشان" ليطلب منهم ماء، فالله لا يمكن أن يلتمس معونة من البشر.
وايضا لأنه كان عازما ان يشرب كأس الالم حتى التمام.
لذلك اكتفى عندما قدموا له خلا ممزوجا بالمر، كنوع من التخدير لتخفيف ألمه
و "لم يرد أن يشرب" (متى 34:27).
انما اراد الرب ان يتمم النبوءات عنه وان يعلن ان الثمن قد دفع، لكي يطمئن البشر.
اما البشرية الخاطئة فاستهزأت به فيما هو يدفع ثمن خلاصها.
فقدموا له خلا في عطشه، لكي يزيدوا المه ألما.
أترانا نحن نفعل ذلك أيضا، وكلما يطلب الرب أن يرتوى بخلاصنا
ويشرب من نتاج كرمته التي يسري عصيرها في عروقنا
أترانا نقدم له خلا بأفعالنا الردئية وبلهونا وعبثنا واهمالنا؟
يا أخي اخفض تلك القصبة التي ترفعها إلى فم المسيح
وابعد عن شفتيه تلك الاسفنجه المملوءة خلا
واندم على جرحك لمشاعر من أحبك واعمل اعمالا تليق بالتوبة.
واذا سمعت الرب يقول "أنا عطشان" فقل له:
أنا يا رب الذي جففت حلقك بخطاياي
ليتني أستطيع أن أرويك بدموعي.
ليتك تضرب بعصاك هذه الصخرة الصلبة التي هي قلبي، وتفجر منها ماءً يرويك.
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †