الضلالات المختلفة
- للراهب غريغوريوس اسطفان
إنّ أسوأ ما يُمكن أن يواجهه الكاهن بين الناس هو المفاهيم الخاصّة البعيدة عن الحقيقة،
لا بل الضلالات المتعددة، التي يبثّها إبليس، قتّال الناس منذ البدء،
ويتقبّلها أولئك الذين يُسقطون مفاهيمهم الأهوائية على الحياة الروحيّة المسيحيّة،
لتصير حياة نفسانيّة، مختلفة جذريًّا عن خبرة الروح الحقيقيّة،
المخبأة في خبرة تقليد الكنيسة المقدّس.
فالشيطان يسعى لتضليل الجميع خاصة كل من يجد لديه الإستعداد الكافي لتقبّل الضلال.
كإظهاره لهم أنورًا وعجائب وظهورات ملائكة وقدّيسين وجروحات على أنها تُشبّهًا
بجروحات المسيح وتسليمهم رسائل ونبوءات.
وفي التاريخ الطويل للمسيحيّة يظهر كثيرون ممن ضلّوا وصاروا شاهدين
لخبرات شيطانيّة بدل شهادتهم لإعلانات الله وقوّته.
نورد مثلاً عن هذه الضلالات:
في خبرة الكنيسة الروحيّة،
الله يكشف ذاته كنور وفي النور يختبر الإنسان فرح،
غبطة ومجد الله الذي لا يوصف، وليس جروحات والآم stigma .
إنّ هذه الخبرة، خبرة الجروحات stigma،
التي لم تعرفها الكنيسة في الشرق أبدًا،
لا بل ولا حتّى في الغرب قبل القرن الثالث عشر،
تدفع الكنيسة لأن ترفضها،
ليس فقط لأنها غير موجودة في تقليد خبرتها الروحيّة،
إنمّا أيضًا لأنها تعاكس هذه الخبرة.
في الأرثوذكسيّة، كل رؤيا حقيقيّة أصيلة يكشف فيها الله ذاته للإنسان،
ما هي سوى خبرة العقيدة ذاتها التي كُشفت للكنيسة.
من هنا ارتباط الكشف الإلهي بالعقيدة المستقيمة.
كل خبرة جديدة لم تعرفها الكنيسة
في تاريخ تقليدها الطويل هي بالنسبة لها خبرة شيطانيّة،
لذا فمن واجب الأساقفة والكهنة محاربة هذه الضلالات كي لا يقع المؤمنون فيها
ويصيروا خدّام الشيطان ذاته.
إنّ هذا الضلال قادر أن يجرّ عموم الناس إلى اللامبالاة الروحيّة،
حيث تصير أفكار الإنسان الشخصيّة وأهواؤه هي معيار فهمه وتقبّله للحقيقة.
إن هذه اللامبالاة الروحيّة هي شرّ حقيقي يسود على أغلبيّة،
ليس فقط على اللذين هم خارج الكنيسة،
إنما على الذين يُعتبرون أبناءها أيضًا،
لكن يحيون على هامش حياتها الأسراريّة.
هذه اللامبالاة الروحيّة هي سمة أولئك الساقطين في فكر وروح هذا العالم.
وهذا تحدٍ كبير للكاهن في عمله الرعائي.
فهذه اللامبالاة الروحيّة وجدها المسيح منتشرة
بقوّة بين شعب العبرانيّين،
حين مجيئه الأول على الأرض، وهذا ما سيجده، وبقوّة أكبر،
بين المسيحيين في مجيئه الثاني الرهيب.
يقول القديس غريغوريوس السينائي من القرن الرابع عشر:
"إن عدو الحقيقة الكبير اليوم،
الذي يجرّ الناس إلى الهلاك، هو الضلال πλάνη.
وكنتيجة لهذا الضلال،
يسود جهل مظلم أنفس كل أولئك الغارقين في اللامبالاة ويبعدهم عن الله.
أناس كهؤلاء يبدو وكأنهم يجهلون أنه يوجد إله يعطينا ولادة جديدو وإستنارة،
أو أنهم يزعمون أننا نستطيع أن نؤمن به ونعرفه فقط بطريقة نظريّة وليس عبر أفعالنا،
أو أيضًا يتخيّلون أنه قد ظهر ذاته فقط لأناس الأزمنة السابقة وليس لنا أيضًا.
إنّهم يدّعون أن النصوص الكتابيّة عن الله
تطبّق فقط على الكتاب الأصليين أو على آخرين
ولكن ليس على أفسهم. بهذا يجدّفون على التعليم بالله
حيث أنهم ينكرون المعرفة الحقيقيّة الملهمة بتكريس لله،
ويقرأون الكتب المقدّسة فقط بطريقة حرفيّة، لكي لا نقول يهوديّة،
منكرين إمكانيّة أن الإنسان حتى في هذه الحياة قادر أن يقوم عبر قيامة النقس.
لقد اختاروا أن يبقوا في قبر الجهل. ويذكر القديس غريغويوس السينائي،
أن هذا الضلال يتكوّن من أهواء ثلاثة:
عدم الإيمان، الخبث والكسل.
من هنا فإن العواصف الكثيرة التي تعصف بالكنيسة،
بحسب الذهبي الفمّ، ليست "من الخارج فقط، بل ومن الداخل أيضًا.
وفي وسط هذه العواصف يجب على الكاهن
أن يعرف أن ينشر الشراع أو أن يطويه لكي لا يغرق القارب.
من كتاب سر الكهنوت للأخ غريغوريوس اسطفان