ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق!
*********
وقف السيد المسيح أمام بيلاطس الحاكم الروماني في أورشليم وقال له:
"لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق كل من هو من الحق
يسمع صوتي. قال له بيلاطس: ما هو الحق؟" (يو 18 : 37، 38).
كثيرون يتساءلون عن الحق ... وآخرون يدعون أنهم يملكون معرفة الحق ...
والبعض يطالب بالحق ... وهناك من يقولون أنهم يقضون بالحق ...
وآخرون يبحثون بجدية عن الحق ... وغيرهم من يزيفون الحق ويتعمدون ذلك،
أو يزيفون الحق بهدف تأكيد ما تصوروا أنه هو الحق.
***
ما هو الحق؟
هذا السؤال ليس هو ما سأله بيلاطس فقط للسيد المسيح،
ولكنه هو سؤال نطرحه في سياق حديثنا عن الحق.
من المعروف في تعليم السيد المسيح أن الحق هو الله.
فالآب في جوهره هو حق، والابن في جوهره هو حق، والروح القدس في جوهره هو حق.
لهذا قال السيد المسيح عن الآب السماوي: "الذي أرسلني هو حق" (يو 7 : 28).
وقال عن نفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14 : 6).
وقال عن الروح القدس: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو 15 : 26).
فالآب باعتباره هو المصدر أو الينبوع في الثالوث هو "مصدر الحق"
والابن هو "الحق" المولود منه، والروح القدس هو "روح الحق" المنبثق من الآب.
ويشبه ذلك أن نقول عن ألقاب الأقانيم الثلاثة:
أن الآب هو "الحكيم" (رو 16: 27)،
والابن هو "الحكمة" (1 كو 1 : 24)، (كو 2 : 3)،
والروح القدس هو "روح الحكمة" (إش 11 : 2)، (أف 1 : 17).
***
ونظرا لأن الحق هو الله، فمن أراد أن يعرف الحق عليه أن يعرف الله المعرفة الحقيقية.
عن معرفة الآب قال السيد المسيح لليهود: "لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا"
(يو 8 : 19).
وعن معرفة الروح القدس قال: "روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله،
لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم"
(يو 14 : 17).
وعن معرفة الابن قال هو شخصيا لتلميذه فيلبس:
"أنا معكم زمانا هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس الذي رآني فقد رأى الآب،
فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟" (يو 14 : 9).
وقال لتلميذه توما: "أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي لو كنتم قد عرفتموني
لعرفتم أبي أيضا ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه".
(يو 14 : 6، 7).
لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "الذي هو صورة الله غير المنظور"
(كو 1 : 15)، أي أننا نستطيع أن نرى الله حينما نرى السيد المسيح.
***
لهذا بقي السيد المسيح صامتا؟
لأن الحق يتكلم حتى ولو صمت. ويتكلم حتى ولو بدا كأنه قد ضاع.
لأن الحق لا يمكن أن يضيع.
أليس هذا ما قيل بفم إشعياء النبي: "من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب ...
ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه"
(إش 53 : 1، 7).
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †