خطية بيلاطس!
*****
لم يكن بيلاطس عادلا في حكمه، لأنه حكم بالموت على شخص بريء.
وأصدر أعجب حكم في التاريخ. البراءة والإعدام على شخص واحد، وفي نفس الجلسة.
فالعجيب أنه قبل أن يصدر الحكم بصلبه (وهو صاحب سلطان) طلب ماء،
وغسل يديه أمام الجميع وقال: "إني بريء من دم هذا البار" (مت 27 : 24).
وقال اليهود: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27 : 25).
ولكن قول اليهود هذا لا يجعل بيلاطس يتبرر، لأنه كان في سلطانه أن يطلق السيد المسيح حسبما قال:
"ألست تعلم أن لي سلطانا أن أصلبك وسلطانا أن أطلقك" (يو 19 : 10).
ولكنه لم يطلق السيد المسيح حرا لأنه خاف من اليهود حينما قالوا له:
"إن أطلقت هذا فلست محبا لقيصر" (يو 19 : 12).
خاف على نفسه، أو خاف على منصبه. وكان حائرا مترددا على أنه كان داخليا يميل إلى إطلاق السيد المسيح.
***
بدأت خطية بيلاطس حينما قال لليهود: "أنا أؤدبه وأطلقه" (لو 23 : 16).
لأنه بهذا قد طبق على السيد المسيح عقوبة الجلد الروماني القاسية، والتي كانوا يسمونها عقوبة
(نصف الموت). وهذه كانت تتخطى بكثير عقوبة الجلد العبراني
وهي التي تسببت في موت السيد المسيح سريعا على الصليب لسبب النزيف الداخلي الحاد مع جراحات
الصليب الأخرى، والمجهود الرهيب الذي يلزم للمصلوب لكي يستطيع أن يتنفس وهو معلق من ذراعيه.
تصور بيلاطس أن خطية صلب المسيح يمكن تفاديها بخطية جلده، ولكنه انزلق في طريق الظلم خطوة
بعد خطوة، ولم يمكنه أن يتراجع، مع أن زوجته أرسلت إليه محذرة تقول: "إياك وذلك البار،
لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله" (مت 27 : 19).
ولكن بيلاطس لم يتجاوب عمليا مع التحذير الرهيب!
قد يتصور البعض أن الشروع في الخطية لا يؤدي إلى خطية. ولكن الشروع
في الخطية هو مثل الجلد والعذاب الذي يكمل بعد ذلك بالصلب والموت.
لأن "الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا" (يع 1 : 15)
والشهوة هي بداية الطريق إلى فعل الخطية. وقد جلد السيد المسيح متألما
بعنف لكي يشفى حواس الإنسان من الشهوة وتلذذاتها، كما هو مكتوب:
"الذي بجلدته شفيتم" (1 بط 2 : 24).
حينما امتدت يد بيلاطس بجسارة ليسيء إلى السيد المسيح في عملية الجلد القاسية،
كان قد وضع قدميه على أول طريق الحكم عليه ظلما بالموت،
بينما شهد بيلاطس على نفسه: "لست أجد فيه علة واحدة" (يو 19 : 4).
ما أقسى هذه اللحظات يا ربنا وفادينا، حينما امتدت تلك الأيادي بجسارة لتربطك وتمدك للجلد بالسياط
التي ألهبت ظهرك الحاني. وقد انحنيت يا سيدنا تحت وطأة الآلام الرهيبة والمحرقة،
لتشفي جراحات خطايانا في جسدك الطاهر يا قدوس!
(كتاب المسيح مشتهى الأجيال)
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †