"إقتسموا ثيابي بينهم" (يو 19 : 24)
*********
"ثم إن العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع، أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام،
لكل عسكري قسما وأخذوا القميص أيضا وكان القميص بغير خياطة،
منسوجا كله في فوق فقال بعضهم لبعض: لا نشقه،
بل نقترع عليه لمن يكون ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة".
(يو 19 : 23، 24، انظر أيضا مز 22 : 18).
هذه الأقسام الأربعة لثياب السيد المسيح ترمز إلى الأناجيل الأربعة التي بشرت بموته وقيامته.
أما القميص (الرداء الداخلي) الذي لم يشقه العسكر، لأنه منسوج كله من فوق
إلى أسفل، فهو يرمز إلى أن بشارة الخلاص هي واحدة لا تتجزأ ولا تنفصل.
حقا كانت حياة السيد المسيح كلها منسوجة من فوق إلى أسفل.
فهو الكلمة المتجسد وليس الإنسان المتأله. أي أن الإله الكلمة قد صار إنسانا بالتجسد،
ولكن لا يوجد إنسان قد تأله. لأن يسوع المسيح هو نفسه كلمة الله الأزلي،
الذي أخذ جسدا حيا بروح عاقلة من العذراء مريم، وولد منها متجسدا بغير تغيير.
فابن الله هو هو نفسه ابن الإنسان.
كانت حياة السيد المسيح كلها بتدبير إلهي، وعمله كله بتدبير إلهي "منسوجا كله من فوق"
(يو 19 : 23). لهذا قال: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله" (يو 4 : 34)
وقال للآب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يو 17 : 4).
وعن صلبه قال: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه" (مت 26 : 24).
وقيل أيضا: "مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق" (أع 2 : 23).
حقا كانت حياة السيد المسيح كلها سيمفونية رائعة، تشهد لعمل الله وتدبيره وحكمته،
مثل ذلك القميص "المنسوج كله من فوق".
قال السيد المسيح لليهود: "أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق" (يو 8 : 23).
وقال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح: "الذي يأتي من فوق،
هو فوق الجميع والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم الذي يأتي من السماء هو فوق
الجميع" (يو 3 : 31).
لقد سعى الله نحو خلاص الإنسان، وكان عمله كله منسوجا من فوق (إلى أسفل)،
وقدم محبة لخير الإنسان. وكانت محبته منسوجة من فوق (إلى أسفل)،
وأعلن عن ذاته للإنسان، وكان إعلانه منسوجا كله من فوق (إلى أسفل).
ما أجمل قول يوحنا في إنجيله "والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدا،
كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا" (يو 1 : 14).
أي أن الابن المتجسد قد أعلن مجد الآب السماوي.
كل ذلك صنعه السيد المسيح لأجلنا، لكي يرفعنا إليه من أسفل إلى فوق، لنتمتع بمجده كما خاطب الآب
قائلا: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي"
(يو 17 : 24).
(كتاب المسيح مشتهى الأجيال)
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †