نسجد لآلامك أيّها المسيح، فأرنا قيامتك المجيدة. (3)
كان يمكن للمسيح أن يخلّصنا بإشارة وأن يرفع عنّا فسادنا وتعاستنا بكلمة، إلّا أنّ الحبّ فعل، بل فعل إلهيّ. " وكان يسوع يعرف، قبل عيد الفصح، أنّ ساعته جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، وهو الّذي أحبّ أخصّاءه الّذين هم في العالم، أحبّهم منتهى الحبّ."
( يوحنا 13 : 1)أحبّنا المسيح منتهى الحبّ، أي حبّاً كاملاً قاده لأن يتقلّد الصليب.
عبّر الله عن حبّه بأبلغ تعبير على الصّليب إذ تجلت رحمته ومحبته بامتياز في منحه الغفران للجميع. كما وتجلّى لنا بوضوح منطق الله المغاير لمنطق العالم التّعيس. إنّ العالم يعتبر الحبّ ضعفاً وذلّاً وأمّا منطق الله فهو الحبّ القوّة والانتصار على العالم. منطق الله هو البحث عن الإنسان وليس العكس، ولو قضى الإنسان عمره كلّه يبحث عن الله فلن يجده إلّا في مفاهيم وحقائق غامضة. إلهنا أتى بذاته ليبحث عن الإنسان ويرشده إلى الحياة، وسيبقى في بحث مستمرّ عنه حتّى نهاية التّاريخ.
أحبّنا المسيح فشفانا من أسقامنا وألبسنا حلّة روحيّة جديدة، فصرنا به خليقة جديدة. " فمن هو في المسيح هو خلق جديد: لقد ذهب العتيق وصار خلق جديد" (2 كورنتس17:5). كذا فعل مع الأبرص والمرأة النّازفة والأعمى والمرأة الخاطئة ومعنا كلّنا. فالشّفاء لا يقتصر على شفاء الجسد وحسب وإنّما شفاء المسيح هو الخلق من جديد. وهذا الشّفاء الرّوحيّ يتمثّل بمدى علاقة الحبّ القائمة بيننا وبين المسيح. فحبّنا له هو العنصر الأساس في شفائنا الرّوحي وتبدّل كياننا كلّه. إنّ المراة الخاطئة أحبّت كثيراً لذا غفر لها الكثير. ( لو47:7). هذه المرأة طرحت عند أقدام السّيد كلّ جوعها إلى الرّحمة الإلهيّة فبادرها الرّبّ بالغفران. " طوبى للجياع إلى البرّ لأنّهم يشبعون". ( متى 6:5).
الحبّ فعل إلهيّ ويفترض منّا ردّ فعل مماثل، فمن أحبّنا منتهى الحبّ لا بدّ أن نبادله منتهى الحبّ، حتّى لا نجرحه في صلب محبّته، وكلّ رفض لهذا الحبّ الإلهيّ هو بمثابة الاشتراك في صلب المسيح. لم يتألّم المسيح حبّاً بالألم، بل حبّاً بنا، وليست المسيحيّة دعوة للوجع والتّلذّذ به وإنّما المسيحيّة دعوة للحبّ بين الله والإنسان. والحبّ الحقيقيّ الكامل عمل بطوليّ يواجه الألم والموت بدون تردّد حتّى يحيا الأحباء.
أيّها المسيح الحبيب، اجذبنا أبداً إليك، فنحفظ حبّك في قلوبنا دون تخاذل. اجعلنا دوماً جائعين إلى برّك فلا نعود وقتات إلّا منك أيّها الخبز النّازل من السّماء. ربّي إن ضعفت نفوسنا وتناست حبّك العظيم، أضرمها بنار حبّك اللّامحدود فتشتعل وتهفو إليك. أنت المسبّح والممجّد وحدك كلّ حين، نسجد لآلامك المقدّسة فأرنا قيامتك المجيدة.
يتبع