القدّيسة البارة أناسيما المصرية
(القرن 5م)
ورد ذكرها عند الموارنة. قالوا كانت أناسيما ابنة ملك حكم خمس عشرة مدينة في مصر. وهي وحيدة لوالديها. رُبِّيت على عشرة الكتب المقدّسة. مات أبوها وهي صبيّة فهمّ أرباب المشورة بإقامتها ملكة عوضاً عنه. خرجت من بيتها خلسة وهي زاهدة في الدنيا. كانت تلبس لباساً وضيعاً. لم تأخذ معها سوى الإنجيل الشريف. توغلت في البريّة إلى أن بلغت غابة كثيفة.
هناك أقامت ناسكة تصلّي وتقتات من أعشاب البريّة وبعض الثمار مدّة أربعين سنة. كانت الوحوش تؤنسها وتصغي إليها كلّما تلت الإنجيل. ألهمها الرب الإله أن تذهب إلى دير بجانب نهر النيل فيه ثلاثمائة راهبة. انضمت إليهن وتظاهرت بأنها بلهاء مجنونة. عانت من الراهبات هناك صنوفاً من الإهانة والشتم مدّة طويلة لا تتذمّر.
هذه هي الراهبة المتبالهة التي ورد ذكرها في أخبار الأنبا دانيال الإسقيطي الذي عاش بين القرنين الرابع والخامس الميلادي.
مفاد الكلام عنها أن الأنبا دانيال، لما كان سائراً، ذات مرّة، برفقة تلميذ له، اقترب من موضع يُقال له أرمون. فقال لتلميذه: امضِ إلى هذا الذي لهؤلاء العذارى وعرّف الأم الرئيسة أني هنا. كان الدير يُعرف بدير الأنبا إرميوس.
فلما قرع التلميذ الباب نقل إلى الأم الرئيسة أن الأنبا دانيال أرسله إليهن. فلما سمعت الرئيسة باسم الأنبا دانيال خرجت مسرعة إلى الباب الثاني والعذارى يجرين خلفها. فبعدما دخل وغسلت الراهبات قدميه وغسلن بالماء وجوههن تبرّكاً، لاحظ إحدى الأخوات مطروحة عند الباب. لا نظرت إليه ولا سلّمت عليه ولا التفتت إلى كلامه. فصرخت بها الأخوات أن تقبّل يدي أبينا الأنبا دانيال فلم تقف فقالت الأم الرئيسة للشيخ: إنها مجنونة، يا أبانا، وطلبت مراراً كثيرة أن أطرحها خارج الدير، لكني خشيت من الخطيئة .
ثم إنهن قدّمن للأنبا دانيال طعاماً ليأكل وبعد ذلك أكلن. فقال الشيخ لتلميذه: اسهر معي الليلة لتنظر عِظم فضائل هذه القدّيسة التي يدعونها مجنونة.
ولم تمضِ هجعة من الليل حتى قامت المجنونة ورفعت يديها نحو السماء وفتحت فاها وباركت الله، كما صنعت مطّانيات كثيرة. كانت دموعها تجري من عينيها كالينبوع من أجل حرقة قلبها في الله.
كان هذا عملها كل ليلة. وكانت إذ سمعت صوتاً يأتي نحوها تطرح نفسها على الأرض وتتظاهر بأنها نائمة. هذا كان تدبيرها جميع أيام حياتها. فقال الأنبا دانيال لتلميذه: استدعِ الأم الرئيسة بسرعة. فلما أتت ونظرت الأخت، أمة المسيح، والنور بين يديها والملائكة يسجدون معها، بكت وقالت:
الويل لي أنا الخاطئة! كم صنعت بها من الشتم والإهانة والتعيير!
وضُرب الناقوس واجتمعت الأخوات للصلاة، فأخبرتهن الرئيسة بما عاينت. فلما درت المتبالهة بأن خبرها ذاع كتبت ورقة وعلّقتها على قصبة عند باب الدير وخرجت. كان مكتوباً في الورقة:
لقد أخرجني العدو من بينكن لشقاوتي ومعاندته لي. لقد أبعدني عن وجوهكن المفعمة بالحياة. إهانتكن لي كانت قرّة نفسي. استهانتكن بي كانت ربحي، ورأس المال يزداد كل يوم وساعة. فمباركة تلك الساعة التي قيل لي فيها: يا مجنونة، يا هبيلة.
وأنتن مسامحات من جهتي، بريئات من الخطيئة ولسوف أُجيب قدام المنبر عنكن من أجلي. ليس فيكن مستهزئة ولا مَن هي محبّة للحنجرة ولا لليأس ولا للشهوة. كلكن نقيّات.
فلما قرأ الأنبا دانيال الرسالة قال: ما كان عبوري بهذا المكان البارحة إلا لهذا السبب.
لا تشير أخبار الأقدمين إلى ما جرى لأناسيما بعد ذلك.
طروبارية القدّيسة البارة أناسيما المصرية باللحن الثامن
بِكِ حُفِظَتِ الصُّورَةُ بِدِقَّةٍ أَيَّتُها الأُمُّ أناسيما لأَنَّكِ حَمِلْتِ الصَّليبَ وتَبِعْتِ المَسيح، وعَمِلْتِ وعَلَّمْتِ
أَنْ يُتَغاضَى عَنِ الجَسَدِ لأَنَّهُ يَزُول، ويُهْتَمَّ بِأُمُورِ النَّفْسِ غَيْرِ المائِتَة. لِذَلِكَ أَيَّتُها البارَّة تَبْتَهِجُ رُوحُكِ مَعَ المَلائِكَة.