العنف المنزليّ
ليس الغريب في المجتمعات أن يبرز العنف بين جدران المنازل التي تحتضن العائلات. فالنزعة الأنويّةُ موجودةٌ ومترسّخةٌ في أعماق النفس منذ خلقه وتشوّهت بعد سقوطها. والعنف ليس إلّا تعبيراً ملموساً عن مدى تسلّط الأنا في الإنسان إلى حدّ إلغاء الآخر معنويًّا او وجوديًّا.
العنف الزوجيّ ليس حكرًا على فئة أو شريحة من الناس، ليس مرتبطًا بالأنوثة أو بالذكورة، لا بالغنى أو الفقر، لا بالعرق أو السياسة، ولو كان يطغى على فئة أكثر من فئة. لأنّه بقدر ما يطال العنف المرأة في مكان ما، تراه يطال الرجل في مكان آخر، والأولاد يتلقّون اللطمات من كلّ الجهات.
ليس الغريب في مجتمعنا العربيّ، الذكوري (بين قوسَين)، أن يكون العنف الجسديّ أو النفسيّ الذي يُمارس على الآخر وسيلةً هدفُها تملُّكُ كيانِ الآخر الأضعف. شريعة الغاب بكلّ وحشيّتِها لا تصل إلى ما تصل إليه وحشيّة الإنسان.
الإنسان يُساكن الآخر على أساس الوعد بالأمان والطمأنينة والسلام الذي يتوق أن يجده المرء تحت سقف بيته. الأولاد يبنون أحلامهم تحته وهم مغمورون بالحبّ والحنان. المنزل هو المكان الذي يجب أن يتمّ فيه احتضان الكلّ، وأن يكون هو الملاذ الأمين و المريح ليلتجئ إليه المرء إذا عصفت رياح التجارب وهموم الدنيا والضيقات الآتية من العالم. المنزل يجب أن يكون الحضن الأبويّ والأحشاء الأنثويّة بآنٍ معًا.
ما هو ليس بغريب في الدنيا يجب أن ينتفي وجوده في العائلة المسيحيّة. لا يمكن أن يتواجد العنف، لا بل من غير المسموح أن يتواجد في المنازل المسيحيّة. كما لا يلتقي النور والظلام، المحبّة والكراهيّة كذلك من المستحيل أن يتواجد العنف بين من تعاهدُوا أمام الرّب بالتضحيّة والوفاء.
العنف لا يتجلّى بالضرب والأذيّة فقط، وإن كانت هذه دلائل صارخة عن مستوى القسوة والإذلال، لكنّه يظهر أيضًا بمستوى أعلى من الأذيّة البدنيّة ليطال النفس البشريّة، ليحطم نفسيًّا الشخص الآخر، فيطلب هذا الأخير الموت مئات المرّات عوض الاِستمرار تحت هذا الضغط غير المحتمل.
أليس من الصعب على الزوج (ة) أن يحيا تحت سقف البخل والقحط شبيهًا بالمتسوّلين، وهو في بيته؟ أليس من باب الدّعارة أن يكون الإكراه الجنسيّ هو السائد بين الزوجين؟ أوليس من ضرب الجنون أن يعيش الزوج(ة) أو الأولاد تحت خيمة من التهديد والوعيد الدائم؟ ألا تـترسّخ في أذهان الأطفال صورة مشوَّهة عن الحياة الزوجيّة ودور كلّ من الزَّوجين؟ ما لا يُقبل أن يُمارس بين الأمم هل نقبل أن يكون تحت سقف مَن يُردِّدُ بعزَّةٍ وعنفوان أنّه مسيحي؟
الاِرتباط في الكنيسة مثاله المسيح والكنيسة. عنوانه التضحية بالنفس من أجل الآخر وليس بالعكس. وهدف الزواج الاِرتقاء نحو الكمال وليس الاِنحدار إلى مستوى الحيوانيّة. وإن كانت للأمم قوانينها في الحفاظ على كينونة وديمومة حقّ الإنسان في الحياة، فكم بالحريّ على الكنيسة؟ العنف ضعفٌ للمُعَنِّفِ وَلِلمُعنَّف. كيف يُداوى؟ هل المحاكم تداوي أو تزيد الهوّة؟ هل القوانين تحفظ الحقّ أم تبدد الحبّ؟ هل يبقى شيءٌ من هذا الحبّ والاحترام أصلاً في أجواء كهذه؟ ما هو دور الكنيسة بكلَّ مؤسّساتها في هذا المجال؟ كيف تتمُّ التوعية في هذا المجال؟ وهل من الضرورة أن يُصار إلى إنشاء جمعيّة خاصة كنسيّة تُعنى بهذا الموضوع؟ من يهتم بالمُعنَّف؟ من يحتضنه إن كان الساكن المنزل هو الجاني؟
كُلُّ هذه الأسئلةِ، ونظائرُها، بحاجةٍ إلى إجابة.