كما تعلّم الأمّ طفلها المشي هكذا يدرّبنا الربّ لكي يكون لنا إيمان حيّ به. تترك الأمّ ولدها لحظة، ثمّ تطلب منه أن يأتي إليها، ولكنّه يبكي، مريدًا أن يُمسك بها غير متجاسر على دفع قدمه إلى الأمام ليصل إليها. يحاول المشي، فيقوم بخطوة واحدة، لكنّه يتعثّر، ويقع أرضًا. هكذا يُعلّم الربّ الإنسان المسيحيّ كيف يحصل على الإيمان به، لأنّ الإيمان ما هو إلاّ الخطوة الأولى في المسيرة الروحيّة.
ما يزال إيماننا ضعيفًا هشًّا هشاشة طفل لم يبدأ بعد بالمشي، لذا يسحب الربّ معونته من الإنسان، ويتركه عرضةً لهجمات الشيطان، ولكلّ ضروب الأحزان والضيقات ليختبر إرادته، ويشدّد إيمانه. فيختبر الإنسان ذاته، ويُدرك عجزه وحاجته للخلاص وللتحرّر من طغيان الشرّ. فيزداد إيمانه رسوخًا، ويلجأ إلى المسيح بكامل اليقين أنّه المخلّص الوحيد.
يريدنا الربّ أن نثبّت نظرنا إليه وحده، لذلك يسعى المسيحيّ الحقيقيّ ليقوم بهذه الخطوة، فيفتح عينيّ قلبه، كما يدفع الطفل رجليه ليمشي، محاولاً النظر إلى الله. لكنّ قلبه، الذي لم يتعلّم بعد أن يعاين بوضوح، يرتعب، للحال، ويحسب هذه الخطوة جسارة، فيضطرب ويقع. إنّ الله قريب جدًّا منّا، وهو ينتظرنا، بيد أن الشيطان وأقذار نفوسنا يغلقان عيوننا، التي تكاد تكون مفتوحة، ويعميانها عن المسيح، ولا يدعانها تنظره بجلاء لتقترب منه. لذا يجب أن ندنو من الله بثقة، ونراه بعيون الإيمان والفضيلة، والله، نفسه، سيمدّ لنا يد المعونة ويحتضننا، مبدِّدًا أعداءنا. فالمجد لصلاحك ولحكمتك يا ربّ!
وهكذا عندما يجدّ الشيطان في مقاومتنا، ويسعى بكلّ نوع من أنواع الإغراءات ليسقطنا في فخاخه، علينا، وقتئذ، أن نرى بعيون قلوبنا، وبصفاء، المخلّص صديق البشر وكأنّه حاضر أمامنا، وننظر إليه بثبات وطمأنينة، وكأننا نعاين لجّة من الرحمة، وكنزًا من الصلاح لا ينضبان. وإن طلبنا من الربّ بإيمان قويّ لا يتزعزع، ورجاء ثابت غير مترجرج أن نحظى بنصيب من هذا الينبوع الفيّاض بالبركات والمعونة الروحيّة، فلا بدّ من أن نحصل، للحال، على ما نتمنّاه. إنّ الله صادق في مواعيده، وما علينا سوى أن نعرف، فقط، ضعفنا، وعدم مقدرتنا على إتمام أيّ أمر من دونه، وهذا ما يدفعنا لكي نسير في طريق التوبة، وأن نبقى في حالة استعداد روحيّ حقيقي ومستمرّ.
من كتاب حياتي في المسيح
للقدّيس يوحنّا كرونستادت
نقلاً عن نشرات دير ماريعقوب
[color]
[/color]