لعازر حبيبنا قد نام! (يو 11 : 11)
**********
في حديث السيد المسيح مع تلاميذه عن إقامة لعازر. تكلم بأسلوب غاية في البساطة والاتضاع.
إذ قال: "لعازر حبيبنا قد نام لكني أذهب لأوقظه".
فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يشفى وكان يسوع يقول عن موته
وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم فقال لهم يسوع حينئذ علانية لعازر مات" (يو 11 : 11-14).
تكلم السيد المسيح عن إقامته للعازر من الموت بلغة بسيطة متواضعة،
كأنه سوف يقيم من النوم شخصا قد رقد. ولم يذكر للتلاميذ أن لعازر قد مات.
لم يحاول أن يتكلم بأسلوب الافتخار بعظيم الأعمال.
فالأعمال العظيمة تتكلم عن نفسها، ولا تحتاج إلى تفخيم وتعظيم.
ومن جهة أخرى، فإن السيد المسيح كان يريد أن يؤكد أن الأبرار
لن يموتوا، ولكنهم سوف يرقدون، طالما أن المخلص مانح الحياة سوف يعيدهم إلى الحياة مرة أخرى،
بعد نوالهم الفداء بدمه الثمين. لهذا قال: "أنا هو القيامة والحياة" (يو 11 : 25).
***
وحينما أعلن السيد المسيح موت لعازر باللغة التي يفهمها التلاميذ، قال لهم: "
أنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك، لتؤمنوا، ولكن لنذهب إليه" (يو 11 : 15).
كان السيد المسيح منشغلا بإيمان التلاميذ. لم يفكر فيما يخصه، بل فيما يخص غيره.
لأن المحبة "لا تطلب ما لنفسها"
(1 كو 13 : 5).
لم يصنع السيد المسيح معجزة إقامة لعازر من الموت ليرضى نفسه،
بل من أجل خير التلاميذ والبشرية.
ليقود البشر إلى الإيمان بالقيامة والحياة، التي جاء ليهبها للمؤمنين بموته وقيامته وفدائه للبشرية.
***
السيد المسيح في تواضعه بكى عند قبر لعازر، حتى قال اليهود: "انظروا كيف كان يحبه.
وقال بعض منهم: "ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضا لا يموت" (يو 11 : 36، 37).
لم يكتم السيد المسيح عواطفه البشرية، لأنه شابهنا في كل شيء إلا الخطية وحدها.
وقد بكى ليس فقط لتأثر عاطفته البشرية ببكاء مريم أخت لعازر والذين معها،
ولكن إشفاقا على حياة الإنسان الذي سقط صريعا أمام الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس.
ظهرت محبة الله للإنسان في بكاء السيد المسيح على موت لعازر،
ورغبة الله الصادقة في إعادة الحياة للبشر مرة أخرى.
وما فعله السيد المسيح هو الترجمة المنظورة لمشاعر الرب الخفية من نحونا.
احتمل السيد المسيح في اتضاع عجيب تهكم بعض من اليهود عليه بقولهم: "
ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل
هذا أيضا لا يموت" (يو 11 : 37).
وكان السيد المسيح قد تباطأ خصيصا في الحضور إلى بيت عنيا حيث كان لعازر المريض،
لتظهر محبة الله للإنسان ورغبته في إقامته من الموت.
لم يكن السيد المسيح يهتم برأي الناس وأقاويلهم، بل كان يهتم بتنفيذ مشيئة الآب السماوي.
ومن خلال الاتضاع حقق أعظم الأمجاد. فهكذا دائما "من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع"
(مت 23 : 12). هكذا علم السيد المسيح وهكذا فعل.
لقد شاركنا السيد المسيح أحزاننا وآلامنا، وبكى معنا ومن أجلنا وعلى حالنا، كما هو مكتوب عنه: "
محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن. لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها"
(إش 53 : 3، 4).
هنا نحس اقتراب الله الشديد من نحو الإنسان، ليس وهو يشاركه آلامه فقط (من خلال التجسد)،
بل وهو يحمل عنه هذه الآلام.
لأنه هكذا يليق بالقلب الكبير أن يحمل أحزان الغير وآلامهم "
لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد،
أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام" (عب 2 : 10).
† "تعرفون ألحق والحق يحرركم" †