من هذه المُشرِقة كالصبح، الجميلة كالقمر، الساطعة كالشمس، المرهوبة كصفوفٍ
تحت الرايات" (نشيد 9:6)
"واسم العذراء مريم" (لوقا 27:1)
"الجيش المريمي! ما احسن هذا الاسم المختار!" (بيوس الحادي عشر)
اسم "الجيش المريمي" واصله
1 الجيش المريمي جماعة من الكاثوليك قد ألّفوا فرَقاً نظامية
بموافقة السلطة الكنسية وبقيادة مريم الطاهرة القديرة
وسيطة جميع النعم ، "ليخدموا" الكنيسة في جهادها
الدائم ضدّ العالم والشيطان والقوى الشريرة
ان مريم، الجميلة كالقمر، الساطعة كالشمس، الرهيبة
لا تباع العالم وكتائب الشيطان كجيش قد انتظم للقتال
وهي سلطانةُ هذا الجيش. وجنوده يأملون ان يصيروا
بأمانتهم وفضائلهم وشجاعتهم، جديرين بمليكتهم السماوية
وقد تنظمت هذه الفرَق المريمية على مثال جيش منظّم
ولا سيما الجيش الروماني القديم، منهُ اقتبست الاوضاع
التي تتسمّى بها، وان لم يكن جنودها ولا اسلحتها من هذا العالم
2 لهذا الجيش – الذي اصبح اليوم كثيفاً كثير العدَد – نشأة وضيعة:
فهو لم تسبق تنظيمه تأملات طويلة، بل قد نشأ على البداهة
من غير أن يفكر احد في تحديد قوانينه وفرائضه.
ففي ذات مساء اجتمع فريق صغير عن موعد سابق
ولم يدُرْ في خلدهم انهم مزمعين ان يصيروا
أداة خير بيَد العناية الالهية الجزيلة الحب
وكان ذلك الاجتماع على نحو ما تصير اجتماعات القِرقَة في أيامنا.
كان في وسط المحفل، على منضدة يغشيها غطاء ابيض
بين شمعتين موقَدتين وباقَتين من الازهار، تمثال العذراء الطاهرة
كما تمثلها الايقونة العجائبية.
وكان هذا الترتيب البسيط، بجوّه العابق بالتقوى، وليد ذوق
احد المتطوعين الاولين. ففيه كانت تتجلّى بنوع عجيب
روح الجيش المريمي وميزته واعماله.
فجنود مريم جيش منظّم. ومن قبل ان يجتمع الاوّلون
منهم حول سلطانتهم، كانت هي منتصبةً
تنتظرهم لتقبل تطوّع المُقبلين اليها.
ما هُمُ اختاروها بل هي اختارتهم.
ومنذئذٍ ساروا الى جنبها وجاهدوا معها، وفي صميمهم
عقيدة راسخة ان النجاح والثبات مضمونان لهُم على قدر ما يظلّون متّحدين
3 كانوا شباباً يتّقدون حماسة.
وأوّل ما فعلوا انهم جَثَوا وحنوا رؤوسهم، فتلوا
الابتهالات الى الروح القدس، ثم مرّت اناملهم على حبّات السبحة
الوردية بعد ان تعبت طول النهار.
وبعد الصلاة نهضوا جميعاً وجعلوا يبحثون، تحت نظر
مريم وحمايتها، في انجع الوسائل التي تجعل الله راضياً
ومحبوباً في هذا العالم. ومن تبادُل الآراء نشأ الجيش المريمي بشكله الحاضر
فيا للعجب! من تُراه كان قادراً ان يرى سلفاً، من خلال
اعمال هؤلاء الوضعاءِ وأَساليبِهم البسيطةِ، الغايةََ
التي كانوا مزمعين ان يصِلوا إِليها قريباً.
من كان من بينهم يدور في خلده انهم ينشئون منظمة دعيت
لتكون قوة جديدة في العالم، منظمة يتاح لها، بفضل
أمانتها لقوانينها وحماية مريم لها ان تولي
الشعوب والأمم حياةً وهناءً ورجاءً؟ تلك لعمري، هي الحقيقة الراهنة
كان هذا التطوع الاول في الجيش المريمي في (ميرا هَوس)
شارع فرنسيس، في بلدة دَبلين عاصمة إِرلندا.
وكان ذلك في الساعة الثامنة من مساء اليوم السابع
من شهر ايلول (سبتمبر) سنة 1921، ليلة
عيد مولد العذراء القديسة.
ولما كان الجذع الرئيسي ينتمي الى سيدة الرحمة
عُرفت المنظمة كلها حيناً باسم "شركة سيدة الرحمة
4 إِن ظروفاً ظاهرها اتفاقي جعلت التطوّع الاول يتّم بتاريخ 7 ايلول (سبتمبر)
في حين انتاريخ اليوم التالي 8 منه كان يبدو اكثر ملاءَمةً لهذا الغرَض.
ثم مرّت سنوات عديدة لُقت الانتباه في خلالها الى دلائل
لا تُحصى على محبة مريم الوالدية حقاً.
حينئذٍ ادرك الجميع ان المؤسَّسة، في حين ميلادها، قد نالت أرقّ مظاهر
العطف من يدي سلطانتها المساوية.
وبما ان اليوم الاول في بدء الخليقة كان مجموعة مساء وصباح (تكوين 5:1)
كان يليق ان تعطر بواكيرُ اريج العيد الذي يحتفل بمولد العذراء القديسة
لا اواخرُ انفاسه الطيّبة، مهدَ منظمةٍ غايتُها الاولى والدائمة
ان تصوّر في ذاتها صورة مريم، لتمجّد الرب على احسن منوال وتعرّف به الناس
"ان مريم هي امنا جميعاً نحن اعضاء المسيح، لأنها بمحبتها
قد ساهمت في ولادة المؤمنين في الكنيسة، والمؤمنون هم اعضاء
لهذا الرأس" القديس اوغسطينس: في البتولية المقدسة، رقم 6
"ان القديس اوغسطينس يدعو مريم "قالب الله الحيّ" وهي كذلك
ان فيها وحدها تكوّن الاله الانسان منغير أَن ينقصه شئ من ميزات الالوهية.
وفيها وحدها ايضاً يمكن ان يكوّن الانسان على صورة الله، على قدر
ما يمكن ذلك لطبيعة بشرية، بنعمة يوسع المسيح
"القديس لويس ماري دي مونقور: سرّ مريم، رقم 16
غاية الجيش المريم
5 ان غاية الجيش المريمي تقديس اعضائه بالصلاة وبمساهمة فعلية
تحت ادارة الرؤساء الكنسيين، في عمل مريم والكنيسة
الذي انما هو سحق الحية ونشر ملك السيد المسيح
يكون الجيش المريمي تحت تصرف اسقف الابرشية وكاهن الرعية
للقيام بجميع انواع الخدَم الاجتماعية او العمل الكاثوليكي
التي تراها هذه السلطات الكنسية اكثر ملاءمةً لخير جنود مريم
واوفر نفعاً لخير الكنيسة، بشرط ان يوافق عليها مجلس القيادة العامة
وان يكون العمل بها ضمن دائرة الشروط الواردة في هذا الكتاب.
فجنود مريم لن يباشروا اذن ابداً اي عمل كان
في الخورنية من غير استئذان خوري الرعية او رئيس الابرشية
"ذكّروا المؤمنين الخاضعين لكم انهم، بمزاولتهم اعمال الرسالة
الخاصة والعلنية، تحت ادارتك واشراف اكليروسكم، بغيةَ
ان يجعلوا السيد المسيح معروفاً ومحبوباً على وجه أكمل
يستحقّون اكثر مما قبل ان يُسمَّوا "جيلاً مختاراً، وكهوتاً
ملكيّاً، وأمة مقدسة، وشعباً مفدىً" (1 بطرس 9:2).
"وليعلموا انهم باتحادهم الوثيق جداً بنا وبالسيد المسيح، لنشر مُلكِه
ودعمِه بغيرتهم العاملة بنشاط، يعملون عملاً أَبلغ أَثراً وفاعلية لإعادة السلام العام بين الناس
(الباب بيوس الحادي عشر، في براءته الاولى لحبريته سنة 1922).
روح الجيش المريمي
6 ان روح الجيش المريمي هو روح مريم بعينه.
فجنود مريم يُعنَون على الخصوص باكتساب اتّضاع
مريم البليغ، وطاعتها الكاملة، ووداعتها الملائكية، وإِكبابها
الدائم على الصلاة، وإِماتتها الشاملة، وطهارتها الصافية من كل عيب
وصبرها البطليّ، وحكمتها السماوية، ومحبتها الله بشجاعة
وتفانٍ، وخصوصاً ايمانها، تلك الفضيلة التي مارستها مريم
وحدها على اوسع مداها ولم يجارها فيها أحد سواها.
فالجيش المريمي، اذ يقوده حبّ مريم هذا وايمانها، يُقبِلُ
على ايّ عملٍ كان "من غير ان يعتذر ابداً بعدم الامكان
لأنه يعدّ كل شئ ممكناً وجائزاً له الاقتداء بالمسيح، سفر 3، ف 5، ع4
"امام مطالب النعمة التي تدعونا الى "المستحيل"، يكون الجواب الأول
على الشفاه البشرية المرتعشة:
"كيف يكون هذا"؟
والثاني: "ها أَنا أَمة الرب".
زمتى عبَّر اللسان عن هذا الجواب الأَخير بملء معناه، بما يسميّه
القديس فرنسيس السالسي "فعل تسليمٍ يجلّ عن مثيل" حينئذٍ يتّم العمل
على يد روح الله القدوس الذي يظللنا" من سيرة القديسة مادلين صوفي بارة
الخدمة في الجيش المريمي
اولاً : على الجندي المريمي ان يكون "ذبيحةً حية مقدسة مرضية لله ...
وان لا يتشبه بهذا العالم" رومية 12 : 1 و 2
ان الجيش الروماني، الذي منه اقتبست منظمتنا امها، كان لهُ
على ممر الاجيال شهرة مجيدة في الاخلاص، والشجاعة، وحب النظام
والصبر على المشقات، والنجاح في الحرب، ولكن في سبيل
غاياتٍ واغراض كانت في الغالب حقيرة او على الأقل دنيوية محضة.
قمن الواضخ ان الجيش المريمي لا يسعه ان يقدم لسلطانته
خدمةً تنقصها هذه الصفات، كحِلْيَةٍ قد نُزِعَت منها جواهرها.
فيجب اذن ان تكون تلك الصفات الرومانية القديمة أقل
ما يُطلب في خدمة الجيش المريمي. راجع الملحق الاول، رقم 593
على هذا الاساس ترتكز في الجندي المريمي الامين فضائل تزداد
سموّاً بازدياد سموّ الغاية التي يتوّخاها.
وفي تلك الفضائل السخاء النبيل الذي كان يهيب بالقديسة ترزيا الافيلية ان تقول :
"انه لعذابُ استشهاد يميتني ان انال الكثير الكثير واردّ القليل القليل".
هكذاس الجندي المريمي، فانه، اذ يرى سيده المصلوب
يبذل لأجله آخر زفرة من انفاسه وآخر قطرة من دمه
يجتهد هو ايضاً ان يحقق في عمله الرسولي مثل هذا البذل التام
"قل لي، يا شعبي، ماذا يُصنع للكرم ولم أصنعه لكرمي؟". (اشعيا 4:5)
ثانياً : على الجندي المريمي "ان لا يهرب من الاتعاب والكدّ". (2 كورنثس 27:11)
لا بدََّ ان يكون دوماً في العالم أماكن تُجابِهُ فيها غيرةُ الكاثوليك العذابات
بل الموت، كما تشهد بذلك بعض الحوادث الاخيرة.
فعلى هذا النحو قد وَلجَ كثير من جنود مريم أَخدار المجد ظافرين.
بيد ان العمل يكون عادةً للجندي المريمي وضيعاً، سلمياً،
وقد يُتيح لتفانيه احياناً ظروفا تدعو الى بطولة حقّة.
فرسالة الجيش المريمي تقتضي الدنوَّ من اشخاص كثيرين يؤثرون
الانزواء والاعتزال عن كل تأثير خيّر، فيبدون اشمئزازهم من زيارات
لا غاية لها سوى الخير.
فلا بأس من ذلك، فان هؤلاء كلهم يمكن اكتسابهم
ولكن بصبر تمازجه الشجاعة وانكار الذات
أجل، ليس هنالك ما يجذب الطبيعة ويملّقها في تلك النظرات الشزراء
والشتائم والامتهانات والتهكمات والنقدات العدائية، ولا في تعب الجسم
والروح، والاحزان الأليمة اللاذعة يوم خيبة المساعي وانكار الجميل
الشنيع، ولا في البرد القارس ولامطر الهاطل والقذارة والحشرات
والروائح الكريهة والسراديب المظلمة والأوساط القذِرة، ولا في الاستغناء
عن الملاهي البريئة الشرعية، ولا في قبول القلَق والهموم الملازمة
لكل مشروع، ولا في الضيق الذي تشعر به كل نفس رقيقة لدى رؤيتها معالم
الكفر والفساد، ولا في الحزن الذي يشعر به القلب عندما يشاطر
القريب احزانه ... لا، لا، ليس في ذلك كلّه ما يجذب الطبيعة ويملّقها.
ولكن احتمال ذلك كله بوجاعة، بل اعتباره موضوع فرح وسرور
والثبات في ذلك حتى النهاية، انما هو بطولة صلبة
ومرحة لها وزنها في ميزان الله كوزن الدليل الأسمى على الحب، اي بذل الذات في سبيل الاحبّاء
"بماذا اكافئ الربّ عن كل ما أحسن به اليّ". (مزمور 12:115)
ثالثاً : على الجندي المريمي "ان يسلك في المحبة على مثال المسيح الذي أحبّنا وبذل نفسه لأجلنا"
(افسس 2:5)
ان سرّ كل نجاح في العمل لدى القريب يقوم على اتصّال شخصي
هو اتصال التحّاب والتفاهم. ويجب ان يكون هذا الحب غير بادرة
ظاهرية، وان يصمد امام المحَن التي تخضع لها الصداقات المخلصة
ممَّا لا يخلو من فرض تضحيات عديدة.
فمن ذلك ان نحيّي في مجتمع أنيق مَن كنّا، قبل ذلك بقليل، نزوره في السجن
او أن نساير جهراً اناساً بأثوابٍ زريّة، او أن نصافح بلا اشمئزاز
يداً خشنة، او ان نقبَلَ الجلوس الى مائدة زهيدة او غير نظيفة.
فان ذلك كله قد يبدو صعباً على البعض، لكنهم بتهرّبهم منهُ، يبرهنون
بجلاء ان سائر ما أبدوه من دلائل الصداقة لم يكن عن اخلاص.
ففي مثل هذه الاحوال ينقطع الاتصال بين النفوس، والنفس
التي انتعشت حيناً تعود وتهبط عزيمتُها بعد خيبة الآمال
يجب ان يكون في اساس كل عمل خصيبٍ حقاً ارادةُ بذلِ الذات
بذلاً كاملاً. فالعمل الرسولي، من غير هذا الاستعداد، يكون بلا اساس.
فاذا كان أحد جنود مريم يضع حدّاً لغيرته ويقول "سأذهب في التضحية
الى هذا الحدّ ولا اتعدّاه"، فلا يحرز من ثمار الغيرة الاَّ نتائج لا قيمة لها
ولو بذل في سبيلها نشاطاً كبيراً. وبعكس ذلك اذا كانت لهُ تلك الارادة الصالحة
وان لم يلجأ الهيا الاَّ نادراً ولشؤون ثانوية، فسوف
يعمل بها اعمالاً عظيمة. "فأجابه يسوع: أأنت تبذل حياتك عني؟"
(يوحنا 38:13)
رابعاً : على الجندي المريمي "ان يتّم سعيَهُ". (2 تيموثاوس 7:4)
بناءً على ما تقدم بيانه، يطلب الجيش المريمي من جنود مريم خدمةً
لا حدّ لها ولا تحفُّظ فيها.
وليس ذلك مشورةً للكمال فقط، بل ضرورة لازمة، اذ ليس من انتماء
الى الجيش يدوم في من لا يتوخى بلوغ الكمال.
انها لبطولة ان يثبت المء طول حياته في عمل الرسالة، وهذه البطولة
لا تُنال الاّ بسلسلة غير منقطعة من افعال البطولة.
فيا لهُ من ثواب جميل لتلك الافعال
هذا الثبات ليس من ميّزات الانتماء الفرديّ في الجندي المريمي، بل
يجب ان يتّصف به كلٌ من الواجبات العديدة التي يفرضها الجيش
على جنود مريم بحيث يزاولها هؤلاء بجهد متواصل
ولا بدَّ ان يكون تغيّر وتبدّل في العمل. فتارةً تختلف الاماكن
والاشخاص التي يزورها الجنود، وطوراً تنتهي اعمال ويُشرع في غيرها.
انما يكون ذلك كله تغييراً منظَّماً في المشاغل لا استسلاماً للهوى
او عدم ثبات او سعياً وراء الجديد، فهذه مآلها ان تهدم أحسن نظام.
فحذراً من هذه الروح المتقلبة لا يزال الجيش المريمي يطلب
من جنوده اخلاقاً وطباعاً تزداد فيها الرجولة.
فهو، بعد كل اجتماع، يبدو كأنه يقول لهم
وهو يعيدهم الى مهامّهم: "كونوا صامدين!"
لا بدَّ للنجاح في أمرٍ من جهدٍ متواصل وليد ارادة
لا تتزعزع تبغي النجاح. لذلك يفرض الجيش المريمي
على جميع فروعه وجميع اعضائه أن لا يقبلوا ابداً بالاندحار
وان لا يُهيّئوا لهُ السبيل بميلهم الى تنسيق الاعمال في قات متباينة :
فهذا عمل "ينعش الأمل"، وذاك عمل "قلما يشجّع"، وذلك عمل "لا خير منه يُرتجى"
ان السهولة التي يَصِمُ بها الاعضاء بعض الحوادث بوصمة
"لا خير منُ يُرتجى"، تدلّ بتأكيد على تفكيرهم ان تلك النفس المفتداة
بثمن لا حدّ له، يمكنها ان تواصل بعد ذلك بلا مانع جريها نحو الوهاد الابدية.
فضلاً عن انها دليل على ان فيهم رغبة مفرطة في التبديل والتقلّب
والنجاح المحسوس تقوم عندهم مقام الاعتبارات الأخرى السامية لتدفعهم
الى العمل الرسولي. فكأنهم اذ لم يروا الغلال قد برزت عند اقدامهم
وهم يزرعون، تَهِن عزائمهم، ولا يلبثون ان يتركوا العمل ويمضوا في سبيلهم فانطين.
وفوق ذلك يعلن الجيش المريمي بإلحاح ان من يَصِمُ حالةً
من الحالات بكونها "لا خير منها يُرتجى" انما يُدخل بالفعل
عينه الضعف في موقفه تجاه سائر الحالات. فسواء كان ذلك
عن وعي او عن غير وعي، سوف يُقبل على الحالات الجديدة
وهو يسائل نفسه هل تستحِق ان يُبذل لاجلها هذا الجهد او ذاك العناء.
ومعلوم ان اقلّ ريب او تردّد يفتّ من عضد المقبل على العمل
وهنالك عاقبة اخرى اوخم من العواقب الآنفة الذكر :
في مثل هذه الحالات يكفّ الايمان عن القيام بمهمته في المشاريع
التي يقوم بها الجيش المريمي، اذ لا يكون لهُ فيها الّ المقام الوضيع
والنصيب الضئيل، عندما يرلى العقل ان تدخّل الايمان موافق.
ومتى قامت هكذا العراقيل في سبيل الايمان، وقُوِّضت اركان الحزم
والعزم، يندفع ما كان مكبوتاً من المخاوف الطبيعية والصغارات الدنئية
والفطنة العالمية، فلا يعود الجيش المريمي يقوم
الاّ بخدمة متقطعة، منتقصة، لا تليق بالسماء
لذلك لا يولي الجيش المريمي المنهاج في اعمال الرسالة
الاَّ اهتماماً ثانوياً فيما يهتم في الدرجة الاولى بالنشاط الذي يتولىّ تحقيقه.
وهو لا يتقاضى من جنود مريم تروةً او نفوذاً، بل ايماناً لا يتزعزع
ولا عبقرية بل حباً لا يهي، ولا قوة جبارة بل إِكباباً متواصلاً.
على الجندي المريمي ان يكون دوماً ثابتاً، صامداً في خدمته
وان لا يلين عزمه فيستسلم لليأس والقنوط. عليه ان يكون إِبَّان المحن صامداً كالصخر
وان يكون ثابتاً مثابراً في جميع الاحوال. عليه ان يأمل النجاح بلا ارتياب
وان احرزه فليتمتّع به بتواضع.
ولكن عليه ان يقوم بخدمته بقطع النظر عن النجاح.
عليه ان يجاهد لئلا تهبط مساعيه، وإِن اخفق فلا يدَعَنَّ الفشل يُهبط عزائمه.
ولا يذوقَنَّ راحة حتى يُصلح الاخفاق. وليعلَم ان الصعوبات والعمل
الرتيب في حصاد النفوس تفيده تقدُّماًَ، وتنعش
ايمانه وتعطي جهوده مجالاً اوسع للعمل
ان الجندي المريمي يكون دوما على اهبةٍ ومستعداً لكل نداء
دوماً ساهراً وان لم يُدْعَ للعمل. وان لم يكن في الافق عدوّ او قتال
فهو يقوم لله خفيراً لا يَني، قلبُه ملئٌ بأسمى المطامع، ومع ذلك
راضٍ بأحقر الوظائف. وهو يولي جميع مشاغله، رفيعةً كانت ام وضيعة
الانتباه الدقيق نفسه، والصبر الدائم عينه، والشجاعة التي لا تقهر
ذاتها، فأعماله كلها موسومة بطابع الثبات والصمود.
هوَ دوماً في خدمة النفوس، دوماً تحت تصرّف الضعفاء ليساعدهم
على تحمّل ساعات وَهنهم الشديدة الوطأة. يرقب باحتراس قساة القلوب
ليتحيّن ساعات اللين النادرة عنده ويستفيد منها، ولا يتراخى ابداً في السعي
وراء الضالّين. ينسى ذاته بسهولة فيقف دوماً امام صليب إِخوته، ولا يفارق
مركزه الاَّ متى انتهى كل شئ
يجب ان يُنفى كلُّ هبوط عزم من جماعة مكرَّسة "للعذراء الامينة"
تحمل اسمها في ميادين الشرف كما في ميادين الصعاب والعار
"كل ما يخص العذراء الوديعة، كل ما هو تحت حمايتها، يثبت سالماً لا محالة:
ففضيلة الموقوفين على عبادتها وقوتهم هي من هذا القبيل شبيهة
الجسد الذي اعطته ابنها وقيل فيه "لن يُكسر لهُ عظم"، وبثوب الكتان
الذي "لم يمزقه الجنود ولم يقتسموه، بل اقترعوا عليه". (بولو : مأساة الجلجلة)
اشكال العبادة الأََساسية في الجيش المريمي
17 ان سيمات الجيش المريمي الاساسية تنعكس في صلواته
فالجيش المريمي مؤسَّس قبل كل شئ على ايمان بليغ بالله وبما فيه
من الحب لاولاده. فان الله يريد ان يُنتج لهُ من
جهودنا مجداً عظيماً، فيطهرها ويوليها الخصب والديمومة
اننا باستسلامنا تارةً للعمل بقلق واضطراب، وطوراً برخاوة
تدل على اننا نحسَب الله لا همَّ لهُ الاَّ شغلنا. ألا ندركنَّ بالحريّ ان كل مأرب
صالح لا يُنشأ فينا الاَّ بإلهامه، ولا يُثمر بنا الاَّ اذا أسندنا هو.
ان نجاح مشروعنا عزيز على قلبنا. فاذا رغبنا في هداية أحد
فهو يرومها اكثر منَّا بما لا يُقاس، نحن نريد ان نصير قديسين
وهو يرغب في ذلك رغبة اشد من رغبتنا بالف مرة
ان هذا اليقين بأن الله الاب الحنون يعذد جنود مريم بمساعدته
القديرة في عمل تقديمهم الخاص وفي الخحدم التي يؤدّونها الى القريب
يجب ان يكون لهم سنداً اساسياً، وفقدان هذه الثقة وحده يكون مانعا للنجاح.
فليكن لنا اذن ايمانٌ كافٍ، فلا يستنكف الله من ان يجعلنا ادواتٍ يستخدمها لفتح العالم.
"لقد آمنت، بناءً على قول الملاك، انها تصير ام الهها من غير ان تفقد بتوليتها.
كان ذلك الايمان قادراً لا ان ينقل جبال الارض فحسْبُ، بل ان يحمل السماء
عينها على ان تجعل سكاناها على الارض.
امام هذا الايمان يتضاءَل ايمان جميع الاجيال السابقة كما يتضاءل النجم
امام الشمس. ان لم يكن موقفنا تجاه ما حددته التدابير الالهية
مفعماً خضوعاً وانقياداً، فالله نفسه يصير عاجزاً عن اتمامها.
بيد أن مريم، لمَّا آمنت، قبلت ورضيت بما قيل لها، وبرضاها
وتسليمها بدا إِيمانها. ومنذ ذلك الحين زالت كل عقبة من سبيل المآرب الالهية
المبادرة الى تخليص الانسان. ان البشرية بأسرها قد لفظت
بفم مريم فعل ايمان يؤتيها الخلاص". (جيمبس اوماهوني : ام يسوع)
-----------------------------------------------------------------------
1 الله ومريم
ان الجيش المريمي يرتكز، من بعد الله، على مريم "اعجوبة
العليّ المعجزة البيان". البابا بيوس التاسع
ولكن، ما هي حالة مريم بالنسبة الى الله؟ انها كسائر اهل الأرض
قد أُخرِجَت من العدم. وان يكن الله قد رفعها منذ ذلك الحين
"الى درجة سامية من النعمة تفوق التصوّر"، فهي مع ذلك عدمٌ اذا قوبلت بخالقها.
انها، والحق يقال، خليقة الله الممتازة، اذ قد صنع بها ما لم يصنعه بخليقة
وبقدر ما تعظم المعجزات التي صنعها فيها تبدو كانها عمل يديه الأكمَل
19 فما اعظم ما اتمّه الله فيها! فقد كانت منذ الازل حاضرة لديه مع الفادي.
وقد اشركها في اسرار مآرب نعمته وجعلها امًّا حقيقية لابنه وأمًّا لجميع المتحدين بابنه.
وقد صنع ذلك كله أولاً لينال من مريم شكراً يفوق شكر سائر الخلائق النقية كلها معاً
وثانياً ليرفع، بطريقة يقصر عن ادراكها عقلنا المسكين، المجدَ الممكن
ان يأتيه منا. فعلى هذا النحو، ما نبديه نحن لمريم من الصلاة والعواطف
لنشكر لها مظاهر حنانها الوالدي نحونا واهتمامها بخلاصنا لا يمكنه ان يغير
في شئ من خولَّها تلك الوظائف بالنسبة الينا، وما نقدّمه نحن لمريم يؤول
بكامله الى الله نفسه بلا مراء، ولا يصل اليه تعالى كاملاً غير منقوص
فقط، بل وقد أُضيفت اليه استحقاقات الوسيطة ايضاً. ذلك ان مريم ليست
في تدابيررحمةالله رسولاً أميناً فقط، بل هي عنصر حيٌّ ليضاً، بحيث ان تدخّلها
في شؤوننا يزيد في مجد الله عزّ وجلّ والنعمة المعطاة لنا معاً
وهكذا يروق الآب الازلي ان يقبل بواسطة مريم العبادة التي نرفعها اليه.
وقد شاء ايضاً ان يختار هذه الام الحنون لتكون القناة التي توصل الى البشر
غيث رحمته وحنانه ومفاعيل قدرته السخية، وقبل كل شئ من هو مصدر
تلك النعَم، اي الاقنوم الثاني ابن الله المتأنس، حياتنا الحقّة وخلاصنا الأوحد
"اذا كنتُ أريد ان اتعلَّق بالأم، فلكي اصير عبداً للابن.
واذا رغبتُ في ان أصير مِلكها الخاص، فلكي اؤدي الى الله
بطريقة آمن فريضة خضوعي". القديس إلدفونس
2 مريم وسيطة جميع النعم
ان للجيش ثقة بمريم لا حدّ لها، لأنه يعلم ان الله قد رسم ان لا يكون
حدٌّ لقدرتها. ان الله قد اعطى مريم كل ما كان قادراً ان يخوّلها
وهي قد قبلت منه تعالى ملء ما كان بوسعها ان تنال. وقد جعلها الله
وسيطة النعمة ووسيلتها الخاصة لنا. فنحن اذن لسكنا متحدين بها ازددنا
بها تقرباً اليه تعالى، ونلنا مقداراً اوفر من النعم اذ نكةن في تيّار النعمة
لان مريم عروس الروح القدس هي الفتاة الناقلة الينا كل نعمةٍ استحقها
لنا يسوع المسيح. ونحن لا ننال شيئا ما لم تستمدّه لنا أمّنا السماوية
بتدخّل خاص، وهي لا تكتفي بان توصل الينا كل نعمة بل تنالها لنا
فالجيش المريمي، اذ قد تشرّب هذا الايمان الحي بوساطة مريم
يفرض على جميع جنوده بأن يؤمنوا بها عم ايضاً، وان يكةن ذلك الايمان
عبادتهم الخاصة. وقد ادخلت في "سلسلة" صلواتها اليومية الخاصة
صلاة مقتبسة من عيد "مريم وسيطة النعم"31 ايار = مايو
"انظروا بأي عواطف التقوى والعبادة يجب علينا ان نكرم مريم
وفقاً لمشيئة الله الذي وضع فيها ملء جميع الخيرات، بحيث لا ننسى
ابداً ان كل ما لنا من رجاء ونعمة وخلاص انما بأتينا من يديها. (القديس برنردس)
3 مريم الطاهرة البريئة من العيب
وهنالك ميزة دينية أخرى يمتاز بها الجيش المريمي:
ألا وهي العبادة لمريم التي حُبل بها بلا خطيئة
فإن الاعضاء الاولين، منذ اجتماعهم الاول قد صلّوا وتفاوضوا
حول مذبح صغير نصب عليه تمثال مريم الطاهرة، شبيه كل الشبه بالتماثيل
التي تُنصَب اليوم في مركز اجتماعات كل الفرَق المريمية.
ولعلّه يمكن ان يُقال ان التنفّس الاول الذي صدر من افواه جنود مريم
الأوَّلين انما كان صلاةً لاكرام امتياز السيدة هذا.
هو الامتياز الذي أعدَّ العذرائ القديسة لكل النعم والكرامات
التي مُنِحَتها فيما بعد. وقد أشار اليه الله في الاقوال التي وعدّنا بها
منذ البدء، بمريم العذراء. بل ان هذا الامتياز جزء لا ينفصل عن مريم
العذراء القديسة، فمريم هي التي حُبل بها بلا خطيئة.
بذكر هذا الامتياز تنبئ الكتب المقدسة بسائر الامتيازات الالهية التابعة لهُ:
أمومة مريم الالهية، وسحقها رأس الحية بواسطة الفداء
وأمومتها الروحية لجميع الناس: "أجعل عداوةً بينكِ وبين المرأة
وبين نسلكِ ونسلِها، فهي تسحق رأسكِ وانتِ ترصدين عَقِبَها" تكوين 15:3
من هذه الاقوال التي وجّهها الله القدير الى الشيطان (الحية الجهنمية)
يَستقي الجيش المريمي ثقته الحارّة وسرّ قوّته ليحارب الخطيئة.
فهو ينزع بكل قوّته الى ان يصير نسلاً لمريم، فلها في ذلك عربون الظفر.
وبقدر ما نصير ابناء لمريم الطاهرة البريئة من العيب ويزداد عداؤنا لقوى الشرّ يكمُل انتصارُنا
"في ممارسة الرسالة تقوم الوسيلة الكبرى لعملنا الرسولي بالاستناد
الى مريم والاتحاد الوثيق بها بحيث نسلك في كل شئ وفي كل مكان
كأدواتٍ تستخدمها مريم، ونكون كالعقِب الذي تسحق به الشيطان هذه العذراء الطاهرة.
فرسالتنا هي بالحري رسالة مريم، وهي تعمل معنا وفينا وبنا على قدر
ما نحيا تماماً لاجلها"مقتبس من كتاب لأحد الرهبان المريميين
4- مريم امنا
بيد أنه، اذا ادّعينا أَن لنا حقاً على ميراث البنين
فيجب علينا ان نُكرم الأمومة التي تخوّلنا ذلك الحق
فعبادة الجيش لمريم لها اذن وجهةٌ ثالثة تجعله يُكرم العذراء القديسة
اكراماً خاصاً كأم لنا حقيقية. ولعمري، أليست هي حقاً كذلك؟
ان مريم صارت أُمَّ يسوع المسيح لمّا عبّرت عن قبولها الوضيع لتحية الملاك قائلةً:
"ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك" (لوقا 38:1).
وصارت أُمّاً لنا فيما بين الذابات التي تحملتها على الجلجلة
اذ قال لها يسوع من أعلى صليبه: "يا امرأة، هوذا ابنكِ"، وللقديس يوحنا:
"هذه أمك" (يوحنا 26:19 و 27). فهذه الاقوال كانت موجهة الى جميع المختارين
في شخص يوحنا الحبيب. وهكذا مريم صارت منذ ذلك الحين
أمنا، بكل ما في هذه الكلمة من معنى بليغ، بمشاركتها التامة لابنها الالهي
في عمل الفداء، بالرضى والعذابات.
[color:a