أيخلد الوجود يوماً إلى الرّضى ويقنعُ أنّ سرّه أنتَ، وأنّك السّاقي والمستقى؟
ألا يستيقظ الأنام من غفوته، ويدرك عبق حضورك فيقوم إلى الحياة؟
إنّ الخليقة بأسرها تلتصق بالتّراب وتستر عريها خجلاً،
سنون عديدة مضت، وهي تبحث عن ذاتها خارجاً عنك،
في غياهب الزّمن، ووحشة الوقت، وسجن المكان...
أنّى للتّراب أن يبلغ الذّرى ما لم يتطلّع إلى محيّاك؟
ما لم يرتقِ سلّم حبّكَ، ويخطو إليكَ؟
فينتهي إلى معانقة مباهج السّماء...
أنّى للنّاظر إلى أسفل أن يستنبط تفاصيل العلويّين،
فيفقه أسرار كِبَر الجبال الشّاخصة إلى ظفر النّجوم.
إنّ سلّم حبّك ينبعث من صلب الأرض ويترامى إلى الأثير حرّاً،
تلتقطه أناملك الرّقيقة، وترقب وقع الخطوات.
جسر عبور يمتدّ من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب،
من غور الوديان وحتّى هامات الجبال...
يعلن الطّريق، بين متاهات المكان وموطن الحقيقة...
حبال سعادة وغبطة، تجتذب كلّ نفس، من سقم الآلام تتلوّى
ومن عناقيد العشق، تعتصر خمرك وتشرب، فتُشفى.
... ويطيب لها الألم، ويحسن في عينيها الضّنى،
فخمرك يا سيّد يسري في العروق ولا يرويها...
مدام يبلّل الأوردة، فتشتاق حتّى الظّمأ
وتشتهي الامتلاء، فتستحضر الألم مرات ومرّات...
طوبى لمن تسلّق درجات سلّمك، وألف أعتابه وابتغى لمسة يديك،
طوبى لمن اغترب عن عالم ترابيّ، وسافر إلى حضنك المبارك،
طوبى لمن صمّ أذنيه عن أقاويل التّراب، ووهب لكلمتك الإصغاء الكامل،
طوبى لمن التمس من كفّيك نعمة الصّمت، ففاضت من روحه ينابيع الصّلاة،
طوبى لمن عند باب قلبك تخشّع، فأيقن أنّ العالم خواء ما لم تعطّره أنفاسك...
طوبى لمن وطأ نهاية السّلّم، واستحقّ رتبة المكوث في ظلّ كرمتك،
يستقي منك سرّ الوجود فيبرأ من قيوده،
ويتجرّع منك سرّ الخلود فينعتق من الموت ويتزيّا بسلطان حبّك...
طوبى للأنام إن أدرك نجوى وجوده، وسار نحوك صعوداً جاهلاً معنى الهبوط،
طوبى للوجود إن امتلك فرح السّرّ، واقتات من حرفك أطايب الكلمات...
رحلة الورى إلى الحبّ الأسمى
تسنّمٌ يأبى الإنحدار، وارتقاء يخجل الانحناء...
جهاد عذب الخطى، نحو ملامحك البهيّة يسمو...
يقظة حرّة من أغلال تأسر أبصارها...
سهر الرّوح الفقيرة إلى من هو خبز الحياة...