.
بقلم روجيه عفيف
دبلوم في التاريخ
اعتادنا في لبنان ، على القول في تشبيه الطريق الصعبة ، نقول عنها “طريق محفوفة بالمخاطر” ، بمعنى تجنّب السلوك بها كونها خطرة ، وكونها تخبّئ لنا مفاجآت غير محمودة .
ولكن في لبنان ، ومع تكاثر مواسم القداسة وأعراس التقديس وأعياد القديسين ، من هذا الوطن المجبول بعرق التراث ودم التاريخ ونضال الانسان ، اصبحت أرضه – رغم كل المآسي والاهوال والحروب التي مرّت عليه- محفوفة ليست بالمخاطر ، بل بالقديسين . نعم ، بالقدّيسين . لقد أصبح في كل زاوية وقرية وطريق ومنطقة ، مجالاً مقدّسًا ، وقدّيسًا يبارِكنا ويُسبغ علينا النعم والبركات .
اليوم يتصاعد الحديث عن التنقيب عن النفط في لبنان ، وهذا شيء جيّد . ولكن ، ها هي الكنيسة المارونية ، ورهبانيّتها اللبنانية خاصةً ، تقوم بفعل سماوي أعظم ، ألا وهو التنقيب عن القديسين في لبنان . فتسلك كل دير وارض وقرية لتبحث عن القديسين ، وتفتح ملفاتهم وترفع دعاويهم الى روما ، لإعلان بطولة فضائلهم ، ثمّ تطويبهم ، ثم تقديسهم .
وهذا التنقيب ، هو لإغناء لبنان ، وتقوية شعبه ، ومَنّ النعم والبركات عليه ، لا بل جلب الإنماء الهائل لتلك المناطق التي يخرج منها القديس .
هؤلاء القديسون ، ليسوا من اجل الكنيسة المارونية ، وأبنائها ورهبانيّاتها أبدًا ، بل هم لكلّ لبنان واللبنانيين ، لا بل للعالم أجمع . بجميع الطوائف والفئات والاعراق واللغات . وأكبر مثل هو القديس شربل ، التي ذاعت شهرته وانتشرت عجائبه الى أصقاع العالم بأسره ، فقليلة الدول والشعوب التي لم تحظَ بشفاعة هذا القدّيس العابر للقارّات والمحيطات والحدود ….
وهنا ، في لبنان ، لا تخف أيها اللبناني من سلوك أي طريق ، لأنها محفوفة بالقديسين . والطريق التي لم يصلها يعد قدّيس ، صلّ لكي يأتيها قدّيس ، وتنشأ فيها الكنائس والاديار ، من أجلك ومن أجل لبنان ، من اجل السلام والخير والمحبة والازدهار ، من اجل الأخوّة والجمال والاخلاق ، من أجل الحضارة والانسانية والطمأنينة .
واحرص أشدّ الحرص ، أيّها اللبناني ، والزائر للبنان ، أن تحافظ على هذا البلد وتصونه ، بدءًا من النظافة الى البيئة الى احترام القانون ، وعدم الاذية والرأفة والرحمة ، والخشوع والتواضع ، لأنّك على أرض مقدّسة ، مملوءة بالقديسين.
وإلى الكنيسة نقول : تابعي البحث والتنقيب عن القديسين ، وقدّميهم الى روما ، ليصيروا مكرّمين ، وطوباويين وقديسين ، من أجل شعب لبنان وكلّ العالم . فلبنان أرض التاريخ ووطن القديسين ، ونبع العظماء .
فما شهدناه الاحد 27 حزيران 2010 ، هو عرس وطني ، بحضور من كل الطوائف والفئات ، وحضور المسوؤلين ، الذين يتبارون اليوم على تقديم الخدمات للقديسين ، كلّ حسب اختصاصه ، لتشهد تلك الحكومة عملاً نشيطًا ومميّزًا . أرأيتم ما يفعله القديسون على أرضنا ؟؟! إنّه يُحرّكون القلوب والعقول والاجساد والضمائر ، لتقدّم كل خير وواجب وأعمال صالحة .
وبعد ، أتسأل ، عن طرقات لبنان وأرض لبنان ؟؟ إنّه محفوفة بالقديسين ، ومطلوب منّا عمل كبير وضخم لنقوم به في وطن القداسة والقديسين ، أكثر من وضع طريقٍ محفوفة بالمخاطر . القديسون يحتاجون منّا الاهتمام أكثر من المخاطر ، لأنّنا إذا اهتممنا بالقديسين وطرقاتهم وأرضهم وكل ما يتعلّق بهم ، أينما كنّا في لبنان والعالم ، فحتمًا ستزول المخاطر عن لبنان ، وعن العالم ، بشفاعتهم القوية .
لقد قال الطوباوي ابونا يعقوب الكبّوشي قولاً شهيرًا –وصدق قوله- “ازرعوا قربان ، بتحصدو قدّيسين” . واليوم نقول : ازرعوا قدّيسين ، يقوم لبنان ويزدهر ، ويخلص اللبنانيين”