اشارة الصليب ، تقليد مقدس
==================
لم تكن اشارة الصليب أمرا يشغل بال المؤمنين في الكنيسة الأولى ولذلك لم يأتي العهد الجديد على ذكرها أو معالجتها وتحديد طريقة رسمها على اجسادنا .
ولكن العهد الجديد ذكر مراتٍ كثيرة كلاماً عن دوره الأساسي في مشروع خلاصنا .
والقرون الثلاثة الأولى كانت تاريخاً قاسياً من اضطهاد وسفك دم المؤمنين وكانت الكنيسة الأولى غير موجودة كمؤسسة . ولكنها كنيسة مضطهدة مهجرة وملاحقة بافرادها المحكوم عليهم بالإعدام بسبب إنتمائهم ليسوع المسيح . وكانت الكنيسة القديمة متمسكة جداً بالتعليم العظيم الموجود في الإنجيل . أن الخلاص بكليته إنما هو بدم يسوع المسفوك على الصليب فقط . وكان صليب الرب يسوع دائماً موضوع تأمّلاتهم، حتى صيروه رمزاً لإيمانهم ، ربما ذلك في أيام الإضطهادات على مدى القرون الثلاثة الأول
دستور ايمان مختصر .
=============
رسم اشارة الصليب عبارة عن دستور ايمان مصغر أو بدائي ظهر قبل إقرار دستور الإيمان الحالي الذي تسلمناه عن المجمع المسكوني الأول والثاني .
فكانت اشارة الصليب بمثابة كلمة سر كما صار فيما بعد دستور الإيمان كلمة السر التي تكشف إيمان ومعتقد المسيحي الحقيقي.
إشارة الصليب كانت أيضاً رمزاً يشير إلى النِعم والبركات المسبغة علينا بواسطة موت المسيح فمجرد رسم اشارةالصليب كانت إعترافاً بالمسيح المخلص الذي تجسد وتألم ومات وقام لأجل خلاصنا .
نشأته والشواهد التاريخية
===============
فمنذو القرن الأول كانت هناك رسوماً للصليب على نواويس وفي المغاور اكتشفت في روما صلبان قليلة ، والأكثر وجدت رسومات لسنابل القمح والسمكة وصورة الحمل أوالراعي وغيرها من الرموز المتعارف عليها التي استخدمها الأوائل للتخفي عن ملاحقة الرومان لهم .
اول شاهد مكتوب عن اشارة الصليب كانت ( ل ترتليانوس) في كتابه " إكليل المجاهدين 15 "الذي توفي نحو سنة 220 . يتضح من كلامه أن رسم اشارة الصليب كانت موجودةً وعلى أقل تقديرفي إفريقية حيث عاش . وأما بعد زمانهِ بقليلٍ فتكلّمَ عن الصليب غيرهُ من العلماء والقديسين . ومنهم من بعده القديس باسيليوس الكبير .
+ وفي القرن الثالث أيضاً وفي القرن الرابع حصل تغييرٌ كبير. حين ظهرت اشارة الصليب في كبد السماء مع عبارة ( بهذه العلامة تنتصر ) للملك قسطنطين وانتصارهُ على مكسنتيوس ، الحدث الذي أسس من بعده الى تنصير الأمبراطورية الرومانية و اعلانها دين الدولة الرسمي . الأمر الذي زاد اعتبار الصليب وثبته رمزاً قويا للمسيحية .(أوسابيوس حياة قسطنطين كتاب 1 وجه 40 وكتاب 2 وجه 6 إلى 9).
الصليب تقليد مقدس
وقد حفظت كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة رسم اشارة الصليب منذو مطلع المسيحية وتوارثناها جيلاً بعد جيل . وهي بالتالي من التقليد التقوي الموروث ، ولم يضعها مجمع مقدس بقانون ، نشأت في الحاضنة الشعبية للمؤمنين الأتقياء كترجمة لعقيدتي الثالوث والتجسد حتى ثبتت وصارت لازمة لا تنفصل عن تراثنا المقدس .
أيد القديس باسيليوس الكبير كلام ترتليانوس الشاهد الأول لإشارة الصليب إذ يقول : "في جميع أعمالنا نحن المسيحيّين، حين ندخل ونخرج، حين نلبس الثياب...، أو نجلس الى المائدة، أو نستلقي على السرير...، نرسم إشارة الصليب على جباهنا... لم تأمر بها الكتب المقدسة، لكن التقليد يعلّمها، والعادة تثبّتها، والإيمان يحفظها". .
كيفية رسم اشارة الصليب في الكنيسة الأرثوذكسية
==============================
لنرسم اشارة الصليب على جسدنا نفوم أولاً + بضم أصابع اليد اليمنى الثلاثة الأُول ، أي (أصابع الإبهام والسبابة والوسطى) معاً وبتساوي اطرافهم دون رفع واحدة عن الأُخرى ، إشارة إلى عقيدة الثالوث القدوس المتساوي في الجوهر.
ثانياً + نضمّ الاصبعين التاليين أي (البِنصَرو الخنصر)معاً ملصقين اياهما براحة اليد إشارة إلى عقيدة طبيعتي المسيح يسوع أنه إلهاً وإنساناً معاً وهذه عقية أولى.
+ ومن ثم نرفع يدنا ونضع الأصابع الثلاث المضمومة رمز الثالوث على جبهة الرأس ، قائلين : بسم الآب . لأن الآب هو المصدر، فمنه ولد الكلمة الأزلي ومنه انبثق الروح القدس منذو الأزل .تلك العقيدة الثانية .
+ ثم ننقلها الى البطن لنعبر عن ايماننا أن الكلمة الإبن الذي ولد منذو الأزل من جوهر الآب نزل من السماء وتجسد في الزمان ،وحل في بطن العذراء مريم التي صارت والدة الإله وهذه العقيدة الثالثة . + ثم نقل اليد الى الكتف الأيمن أولاً رمز الكرامة ، ثم الى الكتف الأيسر، إشارة الى الروح القدس الذي هو مع الآب والإبن يؤلفون الثالوث القدوس الإله الواحد آمين وهذه عقيدة رابعة .
فالجهة اليمنى للملك يجلس فيها الملك المساوي له في الكرامة. وأما من هو أقل من مرتبة الملك أو الرئيس فيجلس عن اليسار.
فتنتهي اشارة الصليب هنا دون إضافات .
وبهذا نكون قد اعترفنا أن الله هو حامي حياتنا كلها إذ رسمنا الصليب على اربعة جهات من جسدنا . الرأس والبطن والكتفين وهي رمز أيضاً لأربع زوايا الأرض ، وهذه عقيدتنا الخامسة ، ان الله هو الخالق و الضابط الكل وسلطانه على الكون ومافيه المنظور والغير المنظور .
الصليب في الكنيسة الغربية
================
البطريرك اسطفان الدويهي، في كتابه "منارة الاقداس" حول رمزية اشارة الصليب في الكنيسة المارونية اذ يقول:
"... والمقصود بذلك ان الآب يتمجد على الرأس لانه رأس الثالوث والابن على البطن لانه ولد منذ الابد من عقل الآب وتجسد آخر الازمنة في احشاء السيدة وولد منها، والروح القدس يتمجد على الكتفين لانه منبثق من الآب والابن لما بينهما من المحبة والاتحاد، ثم ان نقل اليد اليمنى من الراس الى الصدر يشير الى نزول ابن الله من السماء الى الارض لأجل خلاصنا، ونقلها من الشمال الى اليمين يشير الى قيامته من الموت الى الحياة، لانه بصليبه نقلنا من العظمة الى التواضع ومن شقاء هذا العالم الى المجد الدائم، ونرجو انه سوف ينقلنا يوم الدينونة من عداد الجدا الذين عن يساره الى عداد الخراف الذين عن يمينه. وانما نرسم الصليب بيدنا اليمنى لان المسيح هو يمين الآب وقوته".
الصليب عند جماعة الإنجيلين .
==================
+ قد علّم المصلح الإنجيلي الشهير مارتن لوثر في كتابه
"شرح أصول الإيمان"
بأنه على المسيحي أن يرسم إشارة الصليب يومياً عند نهوضه من النوم ويقول "باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين". كما يُعلّم مارتن لوثر الوالدين أن يعلّمونا أولادهم رسم إشارة الصليب والصلاة لله يومياً. ففي إشارة الصليب أجمل رمز وأعظم مغزى، لأنها تذكرنا بمحبة الله وفداء المسيح لنا بموته عنا على حشبة الصليب
...................
الأب _ بطرس الزين