انتصاف الخمسين
إننا نعيّد هذا العيد لإكرام العيدَيْن العظيمَيْن أعني الفصح والخمسين بما أنه جامع كلاً منهما وضامّه فهو صار على هذه الصفة بعد ما أن المسيح صنع العجب الذي يفوق الطبع بالمخلع كأن اليهود تشككوا نوعاً ما لأجل السبت (لأنه صار في يوم السبت) فطلبوا قتلهُ فهرب إذ ذاك إلى الجليل وإذ كان يتردّد هناك في الجبال عمل الآية المعجزة لما عال الخمسة آلاف سوى النساء والصبيان من الخمس خبزات والحوتين.
وبعد هذا لما حضر عيد المظال (هذا كان عيد عظيم عند اليهود) صعد إلى أورشليم وكان يمشي خفيةً فلمّا قرب نصف العيد صعد إلى الهيكل وعلّم وجميعهم انذهلوا من تعليمه وحسدوهُ قائلين كيف هذا يحسن الكتب ولم يتعلّم فإذاً يعلّم بما أنه آدم الجديد كما أن وذاك الأول (أي آدم) كان مملوءاً من كل حكمة وأيضاً يعلم بما أنه إلهٌ فتذمر جميعهم وهاجوا من الحسد عليه وأما المسيح فاستعمل نحوهم الخطاب مبكتاً إياهم كأنهم نوعاً ما مخاصمون عن
السبت قائلاً لماذا تريدون قتلي وامتد أيضاً بالكلام نحو الأشياء السالفة وقال أن كنتم تخاصمون عن الناموس فلماذا تغتاظون علي لأني جعلتُ الإنسان بجملته صحيحاً في السبت إذا كان موسى واضع الشريعة أوصى بهذا أن يُحَلّ السبت لأجل الختان وفاوضهم بسبب هذا كثيراً مبرهناً عن ذاته أنه معطي الناموس ومساوٍ للآب
ولاسيما في اليوم العظيم الأخير من العيد رُجم منهم لكنه ما لمسهُ بالكلية ولا حجر واحد وقتما اجتاز من هناك ووجد الأعمى منذ مولده وأفادهُ البصر يجب أن تعلم أنه كان عند اليهود ثلاثة أعياد عظام الأول عيد الفصح الذي كان يكمّل في الشهر الأول يحتوي تذكار العبور في البحر الأحمر.
والثاني عيد العنصرة يحتوي تذكار تردّدهم في البرية بعد عبورهم البحر الأحمر لأنهم أقاموا خمسين يوماً في البرية إلى أن أخذوا ناموس موسى وأيضاً لإكرام العدد السابع الموقّر عندهم. والثالث عيد المظال عندهم لتذكار المظلّة التي أقامها موسى لما رآها في السحابة على الجبل ونُصبَتْ بواسطة بسلائيل رئيس البنّائين الذي كانوا يعيّدونه سبعة أيام وذكر جمع الأثمار والراحة في البرية فحينئذٍ عندما كمل العيد وقف يسوع وصرخ صوتاً عظيماً من كان عطشاناً فليأتِ إلي ويشرب.
فإذاً من حيث أنه في هذا التعليم قد أوضح المسيح ذاته أنه ماسياً صائراً وسيطاً لنا ومصالحاً مع أبيه الأزلي لهذا السبب نعيّد هذا العيد ونسمّيه نصف الخمسين مسبّحين المسيح ماسياً وموضحين شرف هذين العيدين العظيمين كليهما وعلى حسب ظنّي لهذا السبب قد يعيد للسامرية بعد هذا لأن وتلك أذاعت مخبرة عن المسيح ماسياً وعن الماء والعطش كما يخبر ههنا لأن في بشارة يوحنا الإنجيلي يُقدّم خبر الأعمى على السامرية.
فبإفراط مراحمك التي لا تحد أيها المسيح إلهنا ارحمنا آمين.