القديس الأنبا ميخائيل مطران دمياط
الفنان المعلم:
عاش في القرن الثاني عشر الميلادي ولا نعرف عنه غير أعماله، فقد كان هذا المطران فنانًا كما كان مصريًا صميمًا. وحين تأمل أبناءه وجد أن الكثيرين منهم يجهلون القراءة والكتابة، فأراد أن يقدم لهم بشرى الخلاص باللغة التي يستطيعون قراءتها وهي لغة الفن. فرسم تسعين صورة للبشائر الأربع، وكل صورة من التي ابتدعها خياله هي مجموعة من المناظر الموضحة للمعجزة أو المثل أو الحادثة، وذلك لكي يدرك كل من يراها تسلسل الوقائع الواردة فيها بالضبط.
فمثلًا حينما أراد أن يوضح مجريات الأمور التي أدت إلى أن يقتل هيرودس الملك أطفال بيت لحم، رسم في ركن من الصفحة صور للمجوس سائرين خلف النجم الهادي تليهم صورتهم وهم واقفون في القاعة الملكية وقد جلس هيرودس على العرش بينما انشغل الكهنة والشيوخ في قراءة النبوات التي تشير إلى مولد الملك المنتظر. أما الصورة الثالثة فتبين هيرودس وهو يعطي تعليماته للمجوس تتبعها صورة المجوس على الطريق خلف النجم مرة أخرى، ثم وصولهم بيت لحم وتقديمهم الهدايا، فعودتهم من طريق آخر. وفي آخر هذه السلسلة من المناظر صورة جند هيرودس يخطفون الأطفال من أمهاتهم ويقتلونهم، ثم مجموعة من أولئك الأمهات الثكلى يبكين ويتساندن إلى شجرة باسقة بينما حمل الجند جثث أطفالهم في مقاطف ليوصلوها إلى هيرودس.
هذه المجموعة من الصور مرسومة على الطريقة الفرعونية، أي أنها في صف واحد من غير فاصل بين الواحدة والأخرى، كما أنها على مستوى واحد من غير مسطحات مختلفة، بل إن الأشخاص جميعًا واقفون جنبًا إلى جنب. . وهذا الطراز المصري الصميم لا يتناول التصوير فحسب بل يشمل التلوين أيضًا. وهذه الصور تجتذب القلب قبل أن ترضي العين لبساطتها ودقة تعبيرها. وقد قضى الأنبا ميخائيل سنتين في إتمام هذه الصور التسعين، لأن المخطوط الذي يشتمل عليها يحمل في آخره تاريخ سنة 1179 ? 1181 م. وهذا المخطوط محفوظ الآن بالمكتبة الأهلية بباريس، ومن الشائع أن الملك لويس التاسع أخذه خلسة حين عاد إلى وطنه بعد أن فشل في حملته الصليبية التي وقع فيها أسيرًا في أيدي المصريين سنة 1250 م.
كذلك ترك لنا الأنبا ميخائيل عددًا من المواعظ والتفاسير للكتاب المقدس، ولا تزال الرسائل التي تبادلها وأبا صالح الأرمني باقية للآن، وتتعلق بشخصٍ لابد أنه كان ذا حيثية يتذبذب بين الأرثوذكسية وبين المناصرين للمجمع الخلقيدوني. ورغم هذه المخلفات التي تركها لنا هذا الفنان الذي حظي بكرامة الأسقفية فإننا نجهل سيرته، فلا توجد إشارة إلى تاريخ ميلاده ولا أين ترهب ولا متى نال الأسقفية.