شهر حزيران هو شهر قلب يسوع
"يا يسوع الوديع والمتواضع القلب اجعل قلبنا مثل قلبك"
الاتضاع هو السور الذي يحمي الفضائل ويحمي المواهب، وكل فضيلة
خالية من الاتضاع، عرضة أن يختطفها شيطان المجد الباطل
ويبددها الزهو والفخر والإعجاب بالنفس. لذلك إذا أعطاك الله موهبة من مواهبه
ابتهل إليه أن يعطيك معها اتضاعًا، أو أن يأخذها منك، لئلا تقع بسببها في الكبرياء وتهلك.
الاتضاع إذن هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الفضائل.
ليس هو فضيلة قائمة بذاتها، إنما هو متداخل في جميع الفضائل
مثله كالخيط الذي يدخل في كل حبات المسبحة. والله يعطي مواهبه للمتواضعين
لأنه يعرف أنها لا تؤذيهم. ويقول الكتاب المقدس إن الله يكشف أسراره للمتضعين..
هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجدًا، زادوا هم انسحاقًا قدامه.
من أجل كل هذا دعانا الله جميعًا أن نكون متضعين.
وقد كان الاتضاع والوداعة، إحدى سمات السيد المسيح البارزة التي حببته إلى الكل...
وقد وصفه الإنجيل المقدس بأنه كان: "وديعًا ومتواضع القلب ".
وقد أتقن القديسون الاتضاع بصورة عجيبة. ولم يتواضعوا فقط أمام الله
والناس، بل حتى أمام الشياطين، وهزموهم بهذا الاتضاع.
القديس العظيم انطونيوس أبو الرهبنة كلها، عندما كان الشياطين
يحاربونه في عنف، كان يرد عليهم باتضاع قائلًا:
(أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف، وأنا عاجز عن مقاتلة أصغركم)!!
وكان يصلى إلى الله قائلًا: (انقدني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء، وأنا تراب ورماد)..
فعندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتضاعًا، كانوا يقشعرون كالدخان.
إن كان التواضع بهذه القوة التي تهزم الشياطين، فما هو التواضع إذن؟
التواضع هو أن تعرف ضعفك، وأن تعرف سقطاتك وخطاياك، وأن تعامل نفسك على هذا الأساس.
ليس التواضع أن تشعر بأنك كبير أو عظيم، وتحاول أن تتصاغر أو أن تخفي عظمتك.
فشعورك بأنك كبير فيه نوع من الكبرياء.
وشعورك بأنك تخفي عظمتك فيه إحساس بالعظمة تخفيها عن الناس، ولكنها واضحة أمام نفسك.
أما التواضع الحقيقي فهو تواضع أمام نفسك أولًا.
شعور حقيقي غير زائف، في داخل نفسك، إنك ضعيف وخاطئ
حتى في عمق قوتك تشعر أن القوة ليست منك، إنما هي
منحة سماوية من الله لك، أما أنت فبطبيعتك غير ذلك.
اعرف يا أخي من أنت، فهذه المعرفة تقودك إلى الاتضاع.
إنك تراب من الأرض. بل التراب أقدم منك، وجد قبل أن تكون.
خلقه الله أولًا، ثم خلقك من تراب. ولا يكن تواضعك مظهريًا، أو باللسان فقط
إنما ليكن تواضعًا حقيقيًا من عمق القلب، وبيقين داخلي، ليكن تواضعًا بالروح.
وإن عشت بالتواضع، ستحيا باستمرار في حياة الشكر..
ستشكر الله على كل شيء وفي كل حل، شاعرًا على الدوام أن الله يعطيك فوق ما تستحق.
والشخص المتواضع يعيش في سلام مع الكل، لا يغضب من أحد
ولا يغضب أحدًا. لا يغضب من أحد، لأنه باستمرار يلوم نفسه، ولا يلوم الناس
ولا يغضب أحدًا، لأنه يطلب بركة كل أحد وصلواته. فلنكن جميعًا متضعين
لكي نكون أهلًا لعمل الله فينا، الله الذي لا يحد الذي تنازل واهتم بنا، له المجد الدائم إلى الأبد آمين.