المحبة في اللاهوت والتحليل النفسي (لمحات أخلاقية - روحية)

المحبة في اللاهوت والتحليل النفسي(7)
(لمحات أخلاقية - روحية)

الشماس اسبيرو جبور( صقر انطاكيا)

الفصل الخامس (2)
الله محبة...

في رومية الفصل 12 الآية 1 طلب بولس الرسول أن نقدم أنفسنا ذبائح مرضيّة لله :" فأطلب إليكم أيها الإخوة، برأفة الله أن تقربوا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله فهذه هي عبادتكم الروحية ". هذه الذبائح تقدم في الروح القدس.
الرب يسوع المسيح في يوحنا الفصل 13 الآية 34 : " إني أعطيكم وصية جديدة أن يحب بعضكم بعضا، وأن يكون حبكم بعضكم لبعض كما أحببتكم أنا ".
كيف أحبنا؟ أحبنا ببذل نفسه على الصليب من أجلنا.
يوحنا الإنجيلي في رسالته طالبنا بأن نبذل نفسنا من أجل الآخرين كما بذل هو نفسه من أجلنا. وبولس في أفسس الفصل 5 الآية 25 :" أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وبذل نفسه لأجلها ". طالب أن يبذل الرجل نفسه في سبيل زوجته كما بذل المسيح نفسه في سبيل الكنيسة. نرى في مجمل العهد الجديد أن بذل الذات هو الأساس، وبأن كلّ شيء يصير في المسيح.
في الفصل 3 من إنجيل يوحنا: الأعمال تصير في الله. في رسائل بولس الرسول، كلمة "في المسيح" تردّدت كثيرا وعلينا نحن أن نعمل كل شيء في المسيح. عندما نقول "في المسيح" إنما الأمر يكون في المسيح المصلوب المائت على الصليب.
في الرؤيا، الإصحاح الأول الآية 6: " وجعل منا ملكوتا وكهنة لله أبيه" وفي الإصحاح 5 الآية 10 : " وجعلت منكم ملوكا وكهنة وسيملكون على الأرض".
كلنا إذا كهنة لله. يقدم الكاهن ذبائح، ولكن ما هي ذبيحتنا نحن؟ ذبيحتنا هي أن نقدم ذواتنا، أي أن تكون حياتنا برمتها في الليل وفي النهار ذبيحة، أي أن تكون أعمالنا جميعا ذبيحة.
في المزمور 50 : " الذبيحة هي روح منسحق، القلب الخاشع المتواضع لا يرذله الله ". في العهد الجديد كل شيء ذبيحة لله: التبشير بالإنجيل ليتورجيا، الأعمال الصالحة، الإحسان، المواساة، التسبيح لله. كل شيء هو ذبيحة لله، أي أن الإنسان المسيحي ليس مشابها للكاهن اليهودي الذي يقدم ذبائح حيوانية في وقت معيّن. ليس من وقت معين ليقدم المسيحي ذبائح. وقته كله ذبائح، حياته كلها ذبائح، تصرفاته كلها ذبائح. كل شيء يعمله الإنسان المسيحي إنما يعمله بالروح القدس، يعمله في المسيح.
تصرّفاتنا جميعا هي ذبائح، والذبيحة تشوى، وتؤكل، وتقدم. تفرز أولا، وتذبح ثانيا، وتؤكل ثالثا. فإذا، كل أعمالنا تفرز يعني أنها تقدّس. قال يسوع في صلاته الأخيرة في إنجيل يوحنا الفصل 17 الآية 19 :" ولأجلهم أقدس ذاتي ليكونوا همْ ايضا مقدسين بالحق ". يقدس نفسه، أي يفرز نفسه حملا لله معدّا للذبح كذبيحة فصحية. في كورنثوس " ذبح المسيح فصحنا " ونحن مثل يسوع، نذبح أنفسنا كما ذبح هو نفسه ليقرّبنا على مذبحه السماوي ذبائح طاهرة، نقية، مباركة، مقدسة لله.
المسيحي إذا هو مفروز كخروف حوليّ، كحمل حوليّ، كفصح حوليّ. المسيح هو فصح الله ونحن جميعا فصح. كما ذبح هو، نحن ايضا نذبح روحيّا في الأعمال الصالحة، في السيرة الصالحة، وفي ذواتنا، وكل ذلك بالروح القدس.
بذْل الذات أمر شاق لأن الإنسان الساقط هو إنسان أناني، منكمش على نفسه، منغلق يحب ذاته، متمركز على ذاته لا ينفتح بسهولة. تلعب الأم الدور الرئيسي في إنقاذنا من أنانيتنا، من بخلنا، من تمركزنا على ذواتنا، من غيرتنا، من حسدنا، من عدائنا، من أهوائنا الشريرة ومن عيوب لا تحصى وذلك بنسب مختلفة جدا. ومع ذلك نبقى غارقين في عيوب لا تحصى، لا ينقذنا منها إلا الروح القدس له المجد.
فإذا كنا معيبين الى حدود قصوى، وأولاد جهنم الى حدود قصوى، فكم نحن بحاجة الى التطّهر في كل لحظة بدم المسيح، وكم نحن بحاجة الى الإنصلاب مع المسيح! إن لم ينقذنا صليب المسيح من ذواتنا، فما من قوة في العالم تستطيع أن تنقذنا.
يتبع________________