الله تدبير الله الكلمة في الجسد
باسم الآب والإبن والرّوح القدس الإله الواحد آمين
للقديس غريغوريوس بالاماس
الشجرة الحسنة إنما تعرف من ثمرها
فكيف لا تكون والدة الصلاح ومولدة الحسن الأزلي
إذاً أرفع شأناً بصلاحها من كل ما في العالم ومما فوق العالم؟
ذلك لأن القوة التي صنعت كل شيء
أيقونة الصلاح الأزلية والكلمة الكائن قبل الأزل الفائق الجوهر والفائق الصلاح
قد شاء في محبته للبشر التي لا توصف ورأفته بنا
أن يلبس صورتنا، ليعيد طبيعتنا التي نزلت إلى أعماق الجحيم
ويجددها بعد أن عنقت، ويصعدها إلى علو ملكوته وألوهيته
الذي يفوق السماوات.
شاء أن يتحد إذاً بطبيعتنا بحسب الأقنوم
وكان محتاجاً من ثم إلى جبلة جسدية وإلى بشرة جديدة
تكون في الوقت عينه بشرتنا نحن لكي يجددنا
ولذلك كان محتاجاً إلى حبل شبيه بحبلنا
وإلى ولادة شبيهة بولادتنا
وإلى تغذية بعد الولادة وتصرف يتناسب وإيانا صائراً بالتالي على شبهنا لأجلنا.
وهكذا وجد له أما" ملائمة هي العذراء الدائمة البتولية مريم
لتمنحه من نفسها طبيعة لم يلحق بها دنسن
وهي التي نسبحها اليوم مقيمين تذكار دخولها العجيب إلى قدس الأقداس
إذ سبق الله فعينها من قبل الدهور
لأجل خلاص جنسنا وإعادته
مختاراً إياها من بين جميع المختارين
المشهود لهم بالتقوى والحكمة والأخلاق الحسنة قولاً وفعلاً.
كان دخول السيدة والدة الإله إلى الهيكل عن طريق الصلاة
إذ حصل الوالدان على طلبهما وعاينا تحقيق الوعد
فأسرعا من ثم ليوفيا النذر كونهما صفيين لله.
فبعد الفطام حالاً أتيا بالطفلة العذراء والدة الإله
إلى هيكل الله حيث رئيس الكهنة
وكانت الطفلة متلئة نعمة منذ ذلك السن
حتى إنها كانت تعي ما كان يجري أمام عينيها
وتعبر قدر استطاعتها عن حرية انقيادها وعن تقدمها
الطوعي إلى الله، كما لو كانت مأخوذة بالعشق الإلهي
مشتهية هذا الدخول والسكنى في قدس الأقداس.
لقد فهم رئيس الكهنة أن الطفلة حاصلة على النعمة
أكثر من الجميع فأقامها من ثم في المكان الذي هو أفضل
من أي مكان آخر، مدخلاً إياها إلى قدس الأقداس
ومعلّماً الكل توقير العذراء التي كانت تتغذى بقوتِ إلهي
يحضرها إليها ملاك، والذي به كانت تنمو في جسدها
على نحو أجزل طهراً ونقاء وسموا من القوات العادمي الأجساد.
إذا كان الملائكة يخدمونها، هي التي لم تدخل الهيكل
من تلقاء نفسها بل التي أجتذبها إليه الله
نوعاً ما لتسكن معه سنوات عدة
إلى ان انفتحت الأخدار السماوية وقدّمت للمؤمنين
هيكلاً إلهياً بمولودها العجيب.
لذلك أودعت اليوم في الأقداس كذخيرة إلهية
هذه الطفلة المختارة بين المختارين منذ الدهر
التي كان جسدها أكثر طهارة من الأرواح المطهرة بالفضيلة
حتى إنها أضحت لا رمزاً للأقوال الإلهية وحسب
بل ومسكناً أيضاً لأقنوم الكلمة الابن الوحيد نفسه الذي للآب غير المولود.
هذه الوديعة في حينها كزينة غنية تفوق العالم، ولذلك يمجد أمه قبل الولادة وبعد الولادة أيضاً.
وأما نحن فإذ نفهم معنى الخلاص الذي يتهيأ عن طريقها فنقدم لها الشكر والتسبيح كله.
هكذا حين سمعت المرأة المذكورة في الإنجيل
الأقوال الخلاصية طوبت والدة الإله مؤدية
لها الشكر جهازاً وقائلة للرب:
"طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما" (لوقا 27:11).
ونحن الحائرون على أقوال الحياة مكتوبة أمامنا
ومعها العجائب والآلام، وإقامة جنسنا من الأموات
وإصعادها إلى السماء، والحياة الأبدية الموعود بها
والخلاص المنتظر كيف لا نواصل التسبيح والتطويب
الآن لمن ولدت معطي الخلاص ومانح الحياة
عند الحبل بها وعند ولادتها وعند دخولها إلى الأقداس؟
إذاً فلننقل ايها الإخوة أنفسنا نحن:
أيضاً من الأرض إلى السماء، ومن الجسديات إلى الروحيات.
لننقل شوقنا من العابرات إلى الباقيات
ولنزدر بالملذات الجسدية التي تطعن بالنفس وتعبر بسرعة.
فلنشته إلهيات الروحية التي تبقى بلا فساد
ولنرفع ذهننا من الصخب مرتقين به إلى السماوات
إلى قدس الأقداس حيث تسكن والدة الإله.
هكذا سنقدم لها نشائدنا بدالة كبيرة
وهكذا سنصبح بشفاعاتها ورثاء للخيرات الباقية
بنعمة الرب يسوع المسيح ومحبته للبشر
الذي ولد منها لأجلنا
والذي به يليق المجد والإكرام والسجود
مع أبيه الذي لا بدء له وروحه الكلي قدسه
الصانع الحياة، الآن وكل آوان وإلى دهر الداهرين.