قال الحبيب واللّيل يرخي أهدابه على كتف الضّحى:
- " اكتبي أبداً عن الحبّ...
واخلقي من طين الحروف موسيقىً عذبة
وانفخي فيها من سحر الكلمة
ترانيم تُبشّر الكون بتجلّي الهوى...
حدّثي النّاس عن خفر العشق وخشوع الهيامْ،
وعلى وجه المياه ارسمي ألوان الصّبوِ
حتّى إذا ما استفاق العالم وخرج من عزلتهِ
تراءت له حمائم السّلامْ
تبشّر بانتهاء الطّوفانْ..."
ومشينا في روضة غنّاء تشرف على مدينة السّماءْ
يصدح فيها صوت الحبيب فتخجل البلابل وتسكنُ...
يمرّ بحسنه على الرّوابي، يختال كالبرق الممزوج بالطلّ، فتخشع وتزهدُ...
من روحه ينساب نهر عظيمْ
يغمر الحضور ويصلّي آيات العشق، مزامير تعانق عبق الإلهْ...
قلت: - " دعنا نبقَ هنا،
نبني لنا بيتاً على ضفاف فجر لا ينتهي،
أسكنك وتسكنني،
وينتفي الوقت ويذوب الزّمانْ...
ها إنّنا على مشارف مدينة السّماءْ،
مدّ جناحيكَ
واحملني إلى فوقْ،
حيث الشّمس تلتحف رداءكَ
والقمر يتنسّم ضياءكَ..."
أغمض الحبيب عينيهْ
وأراق في قلبي لغته العذبة...
كلمات تقاطرت كالدّمع الخجولْ
تهيم بها الرّوحْ
ولا يدركها النّهى...
وبينما هو يتكلّمْ
رأيت الصّوت يورق على أغصان غابة نضيرة
وسمعت ملامح الحبيب تشرق في سماء المدينة...
هو ذا السّرّ يتجلّى،
يراقب غربة العالم ويناجي أعتاب السّماءْ...
سرُّ، يظلّ هائماً
عاشقاً للكمال، توّاقاً إليه...
يشتهي اللّمس ولا يملك سوى قلبٍ
بين كفيّ الحبيب يتأرجحُ،
يغفو ويصحو على نغمات شوق مقدّسٍ
جذوره السّماء، يجاور الأرض ولا يلمسها...