التأله الإنساني:
ما معنى قول القديس إيريناوس، اسقف ليون،
الذي توفى في حوالي السنة 200
"صار الله إنساناً لكي يصيرَ الإنسانُ اللهَ"
إن الإله الكلمة، لما صار إنساناً، فتح للطبيعة البشريّة آفاق الكمال الإلهي اللامتناهي، وبالخلاص قاده إلى التألّه الأكمل. لقد تجسّد الإله الكلمة، على حدّ تعبير القدّيس غريغوريوس اللاهوتي، لكي يصير الإنسان إلهاً بنفس القدر الذي صار فيه الإله إنساناً. فباتخاذ اللهِ البشرة فيه أضحى تألّهُ الإنسان ممكناً وتحقّق. إن المسيح الرب، من حيث هو الإله الإنسان، ألّه الإنسان دون أن يحرم الإنسان من إنسانيته الخاصة. والإله الكلمة، كما علّم اللاهوتي القدّيس، صار إنساناً في كل شيء ما خلا الخطيئة. الله يؤلِّه والإنسان يتألّه.
لقد تجسّد الرب لكي يجدّد صورة الله في الطبيعة البشريّة ويقتادها إلى أوج كمالها. المسيح وحّد صورته بصورتنا، كما قال القدّيس غريغوريوس، لكيما بآلامه يعينني الله على آلامي ويجعلني بهيئته البشريّة إلهاً. لقد كان كلمة الآبِ هو الله ولكنه صار إنساناً ابتغاء توحيد الله بنا باتّحاده بأهل الأرض. إله واحد هو بهيئتين. فهو الذي في نطاق إنسانيته جعلني، أنا الإنسانَ، إلهاً.
في التعليم الإلهي للقدّيس مكسيموس المعترف أن الإله الكلمة، بتجسّده، أعطى الطبيعة البشريّة عطيّة تألّهه. فتجسّدُ الله جعل الإنسان إلهاً بنفس القدر الذي صار فيه الإله إنساناً. لأنه من البداهة القول أن ذاك الذي صار إنساناً، وهو بلا خطيئة، قد ألّه الطبيعة البشريّة دون أن يخسر من ألوهته شيئاً، وأنه رفع الإنسان، بوساطة نفسه، بمقدار ما حطّ نفسه من أجل الإنسان.
إن الكنيسة، بنظرتها الشاروبيمية الثاقبة، رأت في تجسّد الإله الكلمة تأليه الطبيعة البشريّة، وفي هذا التأليه خلاصَ الطبيعة البشريّة وهي تُبرز هذا الأمر، بخاصة، في إدراكها بلا غباشة، لولادة الله في الجسد، وهي في عيد الميلاد تنشد، بقوّة وإلهام، مديح الخبر السار هذا، مديحاً وتمجيداً لذاك الذي وُلد على الأرض ويؤلّه طبيعة الأرضيين. فإن الرب المسيح، بولادته من العذراء، يحمل إلى الناس "كنز التألّه". الله يتراءى للناس آتياً من العذراء، حاملاً شِبْهنا ومؤلِّهاً بشرتنا. وهو، إذ افتقر بكليّته من أجلنا، ألّه الإنسان باتّحاده بالإنسان ومساهمته له.
إن تأليه الطبيعة البشريّة وإستردادها إلى التمامية التي خلقها الله عليها، وإلى عافيتها وجمالها وقواها، هو مآل تجسّد الإله الكلمة محبّةً بالإنسان. فإنه يولد كاملاً، كما تبدي الكنيسة في حكمتها الفائقة، في خدمة عيد الميلاد اللاهوتية، وذاك الذي بداءة له يرتضي أن يبدأ من العذراء وصولاً إلى تأليه الإنسان. العذراء تلد خالق الطبيعة في مزود، فيما يأخذ هو منها البشرة، على نحو يفوق الوصف، لكي يؤلّه البشريّة. فإن الإله الكلمة إذ اقتبل بشرتنا افتقر ليكون للناس أن يشتركوا في الألوهة. وبطريقة تسمو على كل فكر وقول، صار الإله إنساناً ليؤلّه الطبيعة البشريّة. فإن البشر، وهم الكائنات المائتة، يتألّهون بميلاد المسيح من العذراء القدّيسة.