لا شكّ أنّنا نمرّ، هذه الأيّام، في ظروف حرجة.
معاذ الله أن يكون قد تخلّى عنّا! نحن مَن يترك الله، الله لا يتركنا!
قد يبدو لعيوننا، أحيانًا، أنّه غادرنا؛ لكنّه باق معنا
، فاعل فينا، بتواتر، تارة على نحو منظور، وتارة على نحو غير منظور.
بإمكان مَن يشاء أن يهرب، أو أن يساوم أو أن يتخلّى عن أمانته لله هلعًا.
وهناك مَن يستسلمون لليأس.
في الظّروف الحرجة، دائمًا،
غربلة! فيها يستبين، بخاصّة، إيمانُ الإنسان واتّكالُه على الله،
أو عدم إيمانه وعدم استعداده للتّسليم الكامل لله.
لا حقّ لنا أن نلوم أحدًا في ما يفعل. كلٌّ على قدر طاقته.
وكلّ حرّ في أن يفعل ما يشاء. لكنْ، عليه،
إذ ذاك، أن يدرك أنّه سيحصد ثمار ما يكون قد زرعه.
ومع ذلك نعلم أنّ زمان الشّدّة، على إيلامه،
لا يسمح به الله إلاّ للخير! المؤمن يزداد إيمانًا في المصاعب
. والمتراخي في التّوبة يصحو ويقدِّم توبة أوفى.
والفاتر في الصّلاة تمسي الصّلاة لديه حيّة وتَعمق.
الاتّكال على الله يصير من حشا متحرِّق إلى عون الله ورحمته.
التّسليم لله يمسي حاجة كيانيّة لا طاقة للمؤمن على الاستمرار من دونها.
يختبر الإنسان وجع المسامير في يديه ورجليه،
والطّعنة اللاّهبة في جنبه، والاختناق؟! هذا كلّه صحيح!
في كلّ امتحان، هذا أمر واقع ولا بدّ منه!
هذا امتدادٌ لصليب المسيح مغروزًا في لحمنا!
ولا يمكن للإنسان أن ينمو في الرّوح، ما لم يمرّ بمثل هذه الخبرة،
قليلاً أو كثيرًا، بقدر أكبر أو بقدر أقلّ! الهروب من الصّليب هروب من الخلاص!
مَن له تَعَبٌ وجهاد وألم ومعاناة في المسيح بثبات، يُعطى نعمةً وبركة،
وينمو في القامة، ويُزاد. ومَن يقضي عمرَه باحثًا عن الله في الرّاحة،
لا يشاء أن يُجهِد نفسه لأجل حقّ الإنجيل، طالبًا ما يخدِّر حسّه ويُعفيه من ألم الثّبات
في الأمانة لله، ولا يرغب، أو حتّى لا يطيق، أن يعاني محبّةً بالله،
فهذا، ما يكون قد أُعطي له من فُرصٍ وطاقات ومواهب تؤخذ منه
، ويُترك خاويًا، يتمرّغ في الوهم والقلق والخيلاء، ولا يكون له من الإيمان بالرّبّ يسوع
إلاّ اللّغو والادّعاء، كنحاس يطنّ أو كصنج يرنّ (1 كورنثوس 13: 1)
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما