من أجل يسوع ....
موقف المسيحيين في وسط العالم في أيام الاضطهاد :
*1- عدم مقاومة الشر
*2- الصلاة
*3- المحبة
*4- الارتباط السري بين الصلاة وقبول الآلام
*1- عدم مقاومة الشر :
تلخَّص موقف المسيحيين في عدم المُقاومة ولا حتى ظِل المُقاومة،
وبالطبع دون أي مُقاومة مُسلحة.
التزم المسيحيون تجاه الاضطهاد المُنظَّم ضدهم بالتطبيق المُباشِر والبسيط لمبدأ
”لا تُقاوموا الشر“
فتركوا أنفسهم بهدوء وتسليم للإبادة وأحنوا رؤوسهم ورِقابِهِم للسيف
لا صاغرين بل فَرِحين غالبين الآلام، الأمر الذي أدهش مضطهديهم.
وعندما أدركتهم الضيقات قبلوا الموت بقلب راضِ وأحنوا رؤوسهم للسيَّاف بلا مُقاومة
ولا حتى مُجادلة، وهم شاكرين قابلين الآلام،
حتى ارتجف الجنود من شدة إيمانِهِم.
تعال لترى معي إستفانوس العظيم رئيس الشمامسة وأول الشهداء ماذا قال لراجميه؟
”يارب لا تقِم لهم هذه الخطية“.
فكما غفر المسيح ربنا ورب الجميع لصالبيه لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون،
هكذا فَعَلْ إستفانوس شهيد المسيحية الأول، وهكذا سلك كل شهود وشُهداء المسيح..
شهادِة الحق بوداعة، شهادِة الدم بلا مُقاومة ولا حتى مُجادلة..
إنَّ الاضطهاد والآلام هِبة وهدية مُقدمة من الرأس إلى أعضاء جسدهِ
حتى تنمو الكنيسة بلا مُقاومة ولا إكراه، بل بالحب والكرازة وبشارِة الفرح.
*2- الصلاة :
كانت الصلاة هي حصنهم المنيع سواء الصلاة الفردية أو الصلوات الجماعية (الليتورچيَّة)،
لأنها سلامهُم الوحيد، مواظبين على الصلوات مُدركين وِحدتهم الروحية مع رب المجد يسوع
وفي ذلك كمال الفرح وكثرِة التعزية فأي فرح يشملنا لأننا شُركاء المسيح ومن أجله نتألم!!..
”نالني ضيق وحُزن وباسم الرب دعوت“ (مز 116).
حتى أنَّ كثير من الشهداء صلُّوا لكي ينالوا عطيِة الشهادة فنالوها، وصلُّوا
لكي يهِبهُم الله روح النُّصرة عندئذٍ رأوا ولمسوا عمل الله في شهادتِهِم،
واقترنت العبادة بحدوث المُعجزات والعجائِب، بنعمة الرب العاملة فيهم.
*3- المحبة :
إنَّ الثبات والاحتمال والوداعة التي أثبتها المُعترفون والشهداء بلا استثناء أمام أعدائِهِم،
كانت خبرة المحبة المسيحية الحقيقية..
لم يثوروا ولم يتمردوا، بل أحبَّ الشهداء أعدائِهِم، وشهدوا بمحبتهم قبل أن يشهدوا
بدمائِهِم وصمودِهِم وصبرِهِم ووداعتِهِم، فالتزم الكل بأعمال المحبة
وهم في عمق أتون الاضطهاد، ومحبة لكل المُضطهدين والمُقاومين،
فغلبوا بمحبتِهِم مُعذبيهم الذين اقتبلوا الإيمان لمَّا رأوا ولمسوا محبة شُهداء المسيحية،
الذين حسبوا العالم كله نِفاية من أجل فضل معرفة الله،
وحسبوا الشتائِم منفعة لهم، والاضطهادات بركة الحياة
وشهادِة الدم أقصر طريق للأبدية.
فالاستشهاد حُب مُنسكِب بالروح القدس في قلب الشهيد، حُب لرب المجد يسوع،
وحُب للمُضطهدين والمُضايقين، فكثيرون قد تُسفك دمائِهِم وليس لهم نصيب
مع الشهداء وكثيرون لم تُسفك دمائِهِم يُشارِكون الشهداء أكاليلهم..
إنَّ هناك قُوة جبارة دفعت شُهداءنا لقبول الآلام،
تلك هي المحبة التي جعلتهم يتقدمون الصفوف،
وهناك من كانت قلوبهم تلتهِب حُباً نحو الرب،
ولم تُتَح لهم فرصة لسفك دمائِهِم.
لقد أحبوا فاستحقوا، ولم يفصلهم عن محبة المسيح لا عُلو ولا عُمق ولا خليقة أخرى...
فغمرتهم محبِة الفادي ليشهدوا حتى الدم لمحبتهم من أجل الرجاء العتيد.
*4- الارتباط السري بين الصلاة وقبول الآلام :
يظُن البعض أنَّ الاستشهاد عمل بطولي مثله في هذا مثل الأعمال البطولية الأخرى
في كافة الميادين... لكن الاستشهاد المسيحي يتميز بأنه شَرِكة حقيقية
مع آلام رب المجد يسوع المُتألِم... فالصلاة تنتعِش وتزكو رائِحتها في معصرة
الاضطهادات إذا كانت بحق شَرِكة في الآلام والعذابات...
فهل نحن الآن نعيش بنفس الروح الإنجيلية الآبائية والرسولية
التي تسلمناها في بدايِة المسيحية؟ هل نعيش ببساطِة الإيمان
بقوة الروح وخبرِة المخافة وقبول الألم بشكر وصلاة؟
هذا الاختبار السرِّي اجتازه المسيحيون الأوائِل ببساطة لذلك تمجَّد الله في آلامهم
وعذاباتهم وأظهر لهم قُّوته ومجده، حتى أنه كلما كان اضطهادهم شديداً
كلما كان عيدهم بهيجاً، وكان المكان الذي يذوقون فيه أشد العذابات
لابد أن يُقيموا فيه أهم الاحتفالات.
ولقد ميَّز المسيحيين ظاهرتان واضحتان، هما شهوِة الاستشهاد ومحبة البتولية،
تلك الروحانية العميقة التي عاشوها والسمو العجيب الذي حققوه باحتقار
الجسد فحيث الاستشهاد لابد أن توجد الطهارة،
لذلك كانت الحياة الرهبانية هي ظِل الاستشهاد، وجاءت الرهبنة
بعد عصر الاستشهاد مباشرةً، وكأنَّ الاستشهاد والشهادة لم تنتهي...
بل مستمرة وحتى مجئ ربنا يسوع الثاني ليأخذ كنيسته.
وأكَّد الاستشهاد على صِدق الإيمان المسيحي فلو أنه مجرد خُرافات مُصطنعة
لِمَا قدَّم هؤلاء الشهداء دماءِهِم رخيصة من أجل محبة الملِك المسيح،
هو تألم وهم يتألمون من أجله.