الصلاة من أجل الأعداء : محبة وغفران
القديس يوحنا ذهبي الفم - عظة عن الصليب
---------------------------------------------------------------------------
غير أن محبته غير الموصوفة للبشر لم تُرى فى الصليب فقط،
بل أيضًا فى كلماته التى تفوه بها على الصليب.
فلتسمع هذه الكلمات.
عندما كان على الصليب معرضًا للهزء والسخرية والإهانة قال:
"يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو34:23).
أرأيت محبة الرب للبشر؟
كان مصلوبًا لكنه صلى من أجل صالبيه، أما هؤلاء فقد كانوا يهزأون به قائلين
" إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب" (مت40:27).
أما هو فلم ينزل عن الصليب إذ هو ابن الله، ولأجل هذا جاء لكي يُصلب من أجلنا.
قالوا : " أنزل عن الصليب لنرى ونؤمن بك".
أرأيت سفاهة الأقوال وحجج عدم الإيمان.
فقد عمل ما هو أعظم من نزوله عن الصليب ولم يؤمنوا،
والآن يقولون أنزل عن الصليب لنؤمن بك.
فالقيامة من الأموات والقبر مغلق بالأختام، كانت أعظم من النزول عن الصليب.
وإقامة لعازر من القبر بعد أربعة أيام وهو ملفوف بالأكفان،
كانت أعظم من النزول عن الصليب.
أرأيت الكلام الهزلي، أرأيت الهَوس المتشامخ.
لكن انتبه بشدة أرجوك لكى ترى أن محبة الله للبشر هى عظيمة.
وأن المسيح اتخذ من اهانتهم له سببًا لكي يصفح عنهم، إذ قال
" يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
ولم يكتفوا بهذا بل كانوا يقولون " إن كنت ابن الله فخلص نفسك"
أما هو فقد عمل كل شيء لكى يخلص معيّريه وشاتميه وقال:
" أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
فماذا حدث؟ هل غُفرت لهم خطيتهم، نعم غُفرت خطية كل من أراد أن يتوب.
فإنه لو لم يترك لهم خطيتهم لما صار بولس رسولاً، ولو لم يترك لهم خطيتهم
لما آمن به فى الحال الثلاثة آلاف والخمسة آلاف، وعشرات الألوف من اليهود بعد ذلك.
فأسمع ما كان يقوله التلاميذ لبولس (أع20:21)
" أنت ترى أيها الأخ، كم يوجد ربوة من اليهود الذين آمنوا..
فالسيد المسيح يقول " يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"،
ويقول أستفانوس " يارب لا تقم لهم هذه الخطية"، ويقول بولس الرسول"
كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل اخوتي أنسبائي حسب الجسد"،
ويقول موسى " والآن إن غفرت خطيتهم وإلاّ فأمحنى من كتابك الذى كتبت".
فقل لي، أى غفران سننال نحن إذا كان السيد وخدامه فى العهدين القديم والجديد،
كلهم يحثوننا على الصلاة من أجل الأعداء، بينما نحن نفعل العكس ونصلي ضدهم؟
إن ما أرجوه هو ألاّ تهملوا هذا لأنه بمقدار ما تزداد النماذج التى يجب أن نقتدي بهم،
بقدر ذلك يزداد عذابنا إن نحن لم نتمثل بهم.
الصلاة من أجل الأعداء مرحلة أسمى من الصلاة من أجل الأحباء.
لأن الثانية لا تكلفنا مثل الأولى:
" فإن أحببتم الذين يحبونكم فأى فضل لكم؟"
إذا صلينا من أجل الأحباء فلن نكون أفضل من الأمم والعشارين.
أما إذا أحببنا الأعداء فإننا نصبح متشبهين بالله بقدر ما تسمح به طبيعتنا البشرية فإن الله
" يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين"
(مت45:5).
فطالما لدينا أمثلة مما فعله المسيح وأيضًا خدامه، فلنتشبه بهم،
ولنقتني هذه الفضيلة، لنكون أهلاً لملكوت السموات، مستعدين دائمًا لنقترب
بدالة أكثر وبضمير نقي تمامًا إلى المائدة المهيبة،
ولنتمتع بما وعدنا به الرب من خيرات بنعمة ربنا وإلهنا
ومخلصنا يسوع المسيح ومحبته للبشر،
الذي له المجد والعزة مع الآب والروح القدس.
الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور.
آمين.
---------------------------------------------------------------------------------------الاقتداء بالمسيح :
___________________________
أرجو يا أحبائي أن نقتدي به، نعم نقتدى بالرب، ولنصلِ من أجل الأعداء.
وإن كنت قد نصحتكم بفعل هذا الأمر بالأمس، إلاّ أني أكرر النصح الآن،
فطالما أنك عرفت مقدار عظمة هذه الفضيلة،
اقتدِ بسيدك إذن لأنه وهو مصلوب صلى من أجل صالبيه.
قد تتساءل: كيف يمكننى الاقتداء بالمسيح؟
أعلم أنك تستطيع ذلك إذ أردت ، فلو لم يكن بإمكانك أن تقتدي به لما قال
" تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب" (مت29:11).
وإن لم يكن فى مقدور الإنسان أن يقتدي به، لما قال بولس الرسول
" تمثلوا بي كما أنا أيضًا بالمسيح" (1كو 29:11).
وإن لم ترد أن تقتدىي بالسيد ، اقتد بخادمه وأعني استفانوس،
الذى كان أول من استشهد، لقد اقتدى بالمسيح.
إن الرب وهو مصلوب بين اللصين، قد تشفع إلى الآب من أجل صالبيه،
هكذا أستفانوس خادمه الذى كان وسط الراجمين والحجارة
تنهال عليه من الجميع فإنه احتمل الرجم ولم يبال بالأوجاع الناجمة عنه
وقال "يارب لا تقم لهم هذه الخطية" (أع59:7).