ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16/ 33)
" به تبتهجون، مع أنّكم لا بدّ أن تحزنوا حيناً بما يصيبكم الآن من أنواع المحن".
( 1بطرس1/6).
البهجة في نفوسنا مرتبطة بالسّيّد المسيح، لذا مهما بلغنا من فرح خارجاً عنه، فلا يستقرّ في قلوبنا هذا الفرح، ويفنى مع انتفاء الأسباب. أمّا البهجة الّتي يمنحنا إيّاها السّيّد فهي تلك الّتي تثبت فينا مهما كانت الظّروف، ومهما حلّ بنا من صعاب. كما أنّه لا بدّ أن نمرّ بالحزن والمحن حتّى نتلذّذ بسرّ هذه البهجة، إذ لا يمكن بلوغها إلّا بالارتباط الوثيق بالمسيح. والارتباط بالمسيح هو الاشتراك طوعاً بآلامه المحيية.
البهجة الّتي من الرّبّ ليست رفاهيّة الحياة، والعيش الرّغيد، قد يؤمّن ذلك مجهودنا الشّخصي أحياناً وبطرق مختلفة، وأمّا سرّ البهجة الممنوحة لنا من الرّبّ فهي خلاص نفوسنا وانتصارنا على العالم، كما السّيّد. \"أنتم تحبّونه وما رأيتموه، وتؤمنون به ولا ترونه الآن، فتفرحون فرحاً مجيداً لا يوصف، واثقين ببلوغ غاية إيمانكم وهي خلاص نفوسكم.\" ( 1بطرس 1/8-9). إذاً، غاية إيماننا هي خلاص نفوسنا، وخلاص نفوسنا نعمة المسيح لنا، وفرحنا هو أنّنا واثقون أنّ الرّبّ هنا، والآن، وإن كانت لا تراه أعيننا، إلّا أنّ قلبنا يعاين مجد خلاصه.
لا نخافنّ من المحن مهما كانت، فبها ندخل سرّ بهجة المسيح، لنستحق أن نكون تلاميذه، ولا نتذمرنّ من الصّعوبات مهما كانت قاسية، فبها نستحق الانتصار على العالم. إنّ الرّجاء ببهجة الرّبّ ليست أملاً مخدّراً، إنّما هو قوّة وثقة بأنّ كلّ شيء يكون للخير الّذي يريده الرّبّ.
تشجّعوا لأن الرّب قريب.
\" ثقوا أنا قد غلبت العالم \" (يوحنا 16/ 33)
لم يأتِ المسيح ليمنحنا مالاً وفيراً نحيا به حياة رفهيّة وترف، ولم يأتِ ليملي علينا شريعة أو يضيف على الشّريعة القديمة المزيد من البنود. كما أنّه لم يأتِ ليسلبنا عقلنا ويحوّلنا إلى آلات يحرّكها كما يشاء، وإنّما المسيح أتى ليمنحنا ذاته فنتحرّر ونسلك في هذا العالم بحرّيّة أبناء الله. وإذ منحنا ذاته منحنا معها استنارة العقل وانفتاح القلب والرّوح، وبالتّالي أصبحنا بالمسيح قادرين على الغلبة، غلبة العالم. \" اطلبوا ملكوت الله أوّلاً، وكلّ شيء يزاد لكم\" (متى6/33). وملكوت الله هو الله نفسه، أي الغنى كلّه والحياة الحقيقيّة، الّتي تجعلنا نحتمل كلّ شيء في سبيل غنىً واحد، ألا وهو الله المحبّة. ومتى قبلنا المسيح في نفوسنا، وصار هو الّذي يحيا فينا بات كلّ الباقي تفاصيل. لقد عاش آباؤنا القدّيسون الجوع والفقر والألم والمرض والحرمان بسعادة لأنّهم اغتنوا من المسيح، واختبروا معنى أن يطلبوا ملكوت الله أوّلاً، ولأنّ المسيح نفسه هو الّذي يحيا بهم.
" مع المسيح صلبت، فما أنا أحيا بعد، بل المسيح يحيا فـي.\" (غلاطية 2/20).
فلنطلب ملكوت الله أوّلاً ونستزيد منه، ولنتّحد بالمسيح ليحيا هو فينا، فنستحقّ أن نكون نور العالم وملح الأرض، وسراجاً يوضع على المنارة ليضيء كلّ الكون، فيسطع نور المسيح في العقول والنّفوس ويُغلبَ العالم.
تشجّعوا، لأنّ الرّبّ قريب.