" ثقوا أنا قد غلبت العالم " (يوحنا 16/ 33)
الثّقة تنبع من محبّة قلبيّة عميقة وثابتة لا شكّ فيها، كتلك الّتي تربط الطّفل بأمّه. إنّ الطّفل ما إن يواجه مشكلة أو صعوبة حتّى يهرع إلى حضن أمّه دون تفكير، وذلك بدافع الثّقة. لا يسأل نفسه إن كانت ستساعده أم لا، هو يلتجئ إليها بدون أيّ تردّد. وإذ يطلب منّا الرّبّ أن نثق به فهو يعني هذه الثّقة المرتبطة بالمحبّة واليقين بأنّه وحده الغالب ووحده المنتصر، فنلتجئ إليه كالأطفال دونما طرح الأسئلة الكثيرة، ودونما الإملاء عليه بكيفيّة مساعدتنا.
قد ننظر إلى غلبة السّيّد المسيح للعالم بعقولنا المحدودة ولا نفهم ونحن ننظر من حولنا إلى قساوة الحياة وشقائها وأوجاعها. وقد نتساءل ما معنى هذه الغلبة ونحن ما زلنا غارقين في أوحال الحروب وضراوة الاضّطهادات ووحشيّة النّزاعات... ولكن فلننظر كيف تعامل المسيح مع كلّ هذه الأمور، ولندخل في تفاصيل إنسانيّة المسيح، وعظمة الحبّ الّذي عاش به. فبالحبّ وحده اختبر يسوع الإنسانيّة بكلّ ما تحمل، وواجه الظّلم، والاضّطهاد، والفساد، والنّفاق، والكره...
إنّ الحبّ قوّة إلهيّة إذا ما امتصّها الكيان الإنسانيّ تمكّن من التّعامل مع الحياة ومواجهتها. وهو الاتّحاد الإلهيّ الإنسانيّ الّذي يسمح للإنسان أن يحيا في عالم ليس منه، بشكل إلهيّ. من اختار المسيح فلقد اختار أن يحيا قصّة حبّ إلهية إنسانيّة، حتّما يسير مع المسيح، ممسكاً بيده، مسلّما نفسه له بكلّيّتها، فيتكلّل بالقداسة.
كلّ شيء يهون ويسهل، من أوجاع وآلام واضّطهاد وقتل وتشريد أمام لحظة واحدة نقف فيها أمام وجهه الحبيب غير خجلين بمقدار محبتنا، بل مفتخرين بأننا مررنا في هذا العالم حاملين صليب الحبّ ببطولة.
تشجّعوا إنّ الرّبّ قريب.