رفع الصليب
بقلم المطران جورج خضر، جريدة النهار السبت
09/13/2014
تدور هذه الأيّام حول عيد رفع الصليب. فبصَرف النظر عن المناسبة التاريخيّة للعيد نتّجه نحو فكرة رفعنا للصليب المسمّى في العاميّة عيد الصليب. نحن في إيماننا وصلاتنا رافعون للصليب بسبب من عبادتنا للمصلوب عليه. نحن في الحقيقة نُعظِّم إيماننا بالمصلوب أي بالحياة التي انسكبت علينا من الربّ يسوع في سرّ موته وقيامته.
جاء في العهد القديم: «ملعون كلّ من عُلّق على الخشبة». أخذ السيّد المبارك هذه اللعنة على نفسه لما رفعوه على الخشبة ليرفع عنّا اللعنة. أداة العار اذ يُعلَّق عليها المجرمُون تُصبح أداة الفرح والافتخار. فالصليب بعد موت السيّد عليه صار طريقنا إلى التحرُّر من الخطيئة كما كان طريق السيّد إلى قيامته من بين الأموات.
بَطلت اللعنة اذًا وبَطُل الخوف من الموت، وصار الصليب لنا دعوة إلى قيامتنا كما كان منطلق السيّد إلى قيامته من بين الأموات، نعلّقه في كنائسنا وبيوتنا وعلى صدورنا على رجاء تحرّرنا من الخطيئة فصار في العالم المسيحيّ رمز الرجاء والفرح.
أدخلت المسيحيّة مفهومًا جديدًا لآلام المؤمن وهو انها يمكن ان تقوده إلى السيّد. لم تبق أوجاعنا علامة عن غضب الله ولكنها صارت صورة لافتقاده ايّانا. نحن لا نُسَرّ للآلام ولا نقدّسها. نرتَضِيها بالإيمان حتى نَخرُج منها إلى الفرح. لا نُرحِّب نحن بأوجاعنا ولكن نرجو الله ان يحوِّلنا بها إلى نُور وجهه. غير صحيح ان المسيحيّة ملازمة للآلام. هي ملازمة لفرح المؤمن المتألِّم إذا تألَّم واقتبل وضعه على رجاء رؤية المسيح.
فكرة خاطئة شائعة ان المسيحية تُقدِّس وجع الإنسان. هي تقبل وجع المؤمن مرحلة له في الصبر ولكن دائمًا على رجاء القيامة. ينبغي ان نفهم ان تصوير المسيحيّة على انها ديانة الألم تصوير لا يُقيم وزنًا إلى قيامة المسيح التي هي المنتهى والغاية.
صحيح تركيز الفكر المسيحيّ على الصليب إن فَهِمنَا هذا ليس مَركزًا للوجع ولكن مرحلة إلى الحريّة من الوجع. الصليب ليس عندنا مكانًا لآلام المخلِّص الاَّ لكونِه انطلاقًا إلى تحرّر المسيح من الموت. رسم الايقونات عندنا يصوّر المسيح على الصليب مفتوح العينين ليدل على انه بقي في الموت منتصرًا على الموت. «المسيح لا يسود عليه الموت» هكذا قال بولس. هذه هي الوحدة بين موت السيّد وقيامته إن الموت ما ساد عليه. عَبَرَه المخلّص عبورًا وفي هذا كانت نهاية الموت.
لذلك يوم الجمعة العظيم في صلاة جنّاز السيّد لا نبكي. صلواتنا تُشرف كلماتها على الفصح. نحن في لحظة ترنيمنا لموت المخلّص نقفز بكلمات كثيرة إلى الفصح لإيماننا بأن الموت ما قضى على المسيح لحظة بمعنى أنَّه لم تكن له في المسيح فاعليّة بل كان توًا وثبة إلى القيامة.