سيدة "تيخفين" (Tikhvin) العجائبيّة
اكتشافها ووصولها إلى تيخفين
في التّقليد تعتبر أيقونة تيخفين من الأيقونات الّتي رسمها القدّيس لوقا الإنجيليّ.
انتقلت هذه الأيقونة من أورشليم إلى القسطنطينيّة
في القرن الخامس ووُضعت في كنيسة بلاشيرن،
الّتي بُنيت لها.
في العالم 1383، أي قبل سبعين سنة من سقوط القسطنطينيّة على يد الأتراك،
شاهد صيادو سمك ناحية بحيرة لادوغا في مقاطعة نفغورود،
الأيقونة العجائبية تسير على المياه وسط نور مشعّ.
وإنّ مخطوطًا روسيًا يعود إلى القرن السّادس عشر يذكر
في "قصة وعجائب أيقونة والدة الإله تيخفين"،
أنّ والدة الإله شاءت أن تغادر صورتها القسطنطينيّة،
تحسّبًا ربما لسقوط الأمبراطوريّة البيزنطيّة.
رسم لأطفال تيخفين عن اكتشاف الصّيادين للأيقونة
ثم ظهورها في تيخفين حيث بُنيت لها كنيسة خشبيّة
بعد وقت قليل من ظهورها العجائبيّ على بحيرة لادوغا،
اكتُشفت الأيقونة في عدة أماكن من القرى المجاورة، إلى أن ظهرت أخيرًا في مدينة تيخفين.
هناك بُنيت كنيسة كُرِّست لرقاد والدة الإله وُضعت فيها الأيقونة.
وقد نجت الأيقونة بشكلٍ عجائبيّ من حرائق عدّة.
في أوائل القرن السّادس عشر بُنيت لها كنيسة حجرية بهمّة الأمير الكبير باسيليوس إيفانوفيتش.
وفي العام 1560، بأمر من القيصر إيفان الرّهيب،
بُني دير للرّهبان قرب الكنيسة وصوّن بحائط حجريّ.
الدّير في بداية الثّورة الشّيوعيّة
الأيقونة كما كانت موضوعة في كنيسة تيخفين قبل الثّورة
بمواجهة الجيش السّويديّ
بين العامين 1613-1614، استولت السّويد على نفغورود،
وحاول جيشها تدمير الدّير مرّات عديدة. لكنّ الصّلوات المتواصلة الّتي
أُقيمت أمام أيقونتها حالت دون ذلك. ذات مرّة، إذ علم الرّهبان باقتراب الجيش السّويدي
من ديرهم أرادوا حمل الأيقونة والهرب، لكنّهم لم يستطيعوا نزعها من مكانها،
فعلموا أنّها علامة من والدة الإله ودليلاً على حمايتها لهم،
فقرّروا البقاء متوسّلين إلى سيدة تيخفين أن تنقذهم وتحفظ بيتها.
ويا للعجب! قدم الجيش الرّوسيّ الكبير ليدافع عن الدّير،
فما إن رآه الجيش السّويديّ حتّى ولّى الأدبار.
انتشر خبر هذه الأعجوبة، وأخذ المبعوثون الأمبراطوريّون يزورون الدّير متبرّكين،
ثم أخذوا نسخة عن الأيقونة إلى ضيعة "ستولبوفو"
الّتي تبعد 33 ميلاً عن تيخفين حيث أُبرمت اتفاقية السّلام مع السّويد
في 10 شباط 1617.
بعد ذلك، أُخذت هذه النّسخة إلى موسكو حيث رُفعت في كنيسة الرّقاد في الكرملين.
غير أن تهديد السّويديّين لمدينة نفغورود، دفع السكّان الى طلب حماية الإيقونة،
فنُقلت إلى كاتدرائية الحكمة الإلهية هناك،
فتدخّلت والدة الإله من جديد ولم تُمَسَّ المدينةُ بسوء.
مع مرور الزمن ازدادت شُهرة الأيقونة ورُسمت نسخ كثيرة لها
زيّنت كنائس عدّة في مختلف أنحاء البلاد.
وكانت بعض هذه الأيقونات مصدرًا للعجائب.
كلّ عام، كان يُقام، في دير تيخفين،
أكثر من 24 زيّاحًًا للأيقونة. وقد صُنع لها غلافٌ ذهبيٌ لتزيينها وحفظها.
فقط الوجه واليدان عند والدة الإله والطّفل يسوع كانوا ظاهرين من الغطاء.
رُصِّع الغلاف بأحجار كريمة، وكان المؤمنون الشّاكرون
يعلّقون مجوهراتهم الثّمينة عليه.
تحت النّير الشّيوعيّ
حُفظت الأيقونة بشكل عجائبيّ أثناء الثّورة الشّيوعيّة في الرّوسيا
الّتي اضطهدت الكنيسة لمدة 74 سنة. خلال العام 1920،
صُودرت ممتلكات الكنيسة الرّوسيّة الأرثوذكسية من قبل السّلطات
بحجّة أنّ هذه الأدوات اللّيتورجيّة هي ملك الشّعب.
لذلك بيع قسمٌ كبير منها لجمع المال الضروريّ لإطعام الشّعب الرّوسيّ والأوكرانيّ الجائع.
أُقفل دير تيخفين لكن أُذن للكنيسة
أن تُقيم الخدم الرعائية هناك لغاية عام 1936،
حين أُقفلت نهائيًا، فبقيت الأيقونة العجائبية في الكنيسة الفارغة.
اللائحة الألمانية الّتي تشير إلى أيقونة سيدة تيخفين في قائمتها
الأسقف "جون غارغلافز" الّذي من لاتفيا
في حزيران من العام 1941، احتلّت القوّات الألمانية الرّوسيا وفي تشرين الثّاني وصلت إلى تيخفين، وكانت تحمل لوائح مفصّلة عن الأغراض الثّمينة الموجودة في كلّ منطقة وعلى قائمة لائحة تيخفين كانت الأيقونة العجائبية لوالدة الإله في دير تيخفين. لذلك عندما اضطر الجيش الألماني إلى التراجع أمام الجيش الأحمر في تشرين الثّاني عام 1944، انتزع النّازيّون الأيقونة العجائبية من الكنيسة وأخذوها معهم إلى بوسكوف الّتي كانت ما زالت تحت سيطرتهم.
ومن هناك انتقلوا بها مع عدد من المؤمنين إلى ريغا وهي عاصمة لاتفيا. كان راعي الكنيسة في لاتفيا هو الأسقف الذي تمّ تنصيبه آنذاك حديثًا "جون غارغلافز" وكان قد اتخذ شابًا اسمه "سيرجي" ليعاونه وقد رسمه قندلفتًا. كان الأسقف يستقبل كلّ النّازحين من الرّوسيا ويُعيلهم، واستقبل معهم الأيقونة العجائبية في كاتدرائية ريغا مع حشد كبير من الإكليروس.
في أيلول 1944، أصبح الأسقف وكلّ رعيّته هم بدورهم، لاجئين، وحصل تراجع كبير للقوّات الألمانيّة وللمدنيّين المؤمنين من ريغا إلى "ليبافا".
كاتدرائية لاتفيا المكرّسة لميلاد الرّب يسوع المسيح
الأيقونة في بسكوف في تطوافٍ مع عددٍ من المؤمنين
اختلط عامة الشّعب مع الجيش وقد أخذتهم الرّحلة يومَين سيرًا على الأقدام للوصول إلى "ليبافا"، وكان الطّيران السّوفيّتي يحلّق فوقهم على مسافة قصيرة ويُلقي القذائف عليهم، فأُصيب عددٌ منهم. وبعد أيام قليلة من وصول هذا النّزح إلى ليبافا، وافاهم بعض الإكليروس من ريغا إلى ليبافا بقوارب صيد حاملين معهم الأيقونة العجائبيّة. تفاجأ الأسقف كثيرًا لأنّه كان قد ارتأى أن تبقى الأيقونة في كاتدرائيّة ريغا إلى حين عودتها إلى الرّوسيا. ومن هذه اللّحظة اعتبرالأسقف أن هذه كانت إشارة له من والدة الاله بأن يكون هو الوصيّ على الأيقونة وكانت بداية رحلة طويلة. كان سيرجي البالغ من العمر 16 سنة هو المكلّف بحمل الأيقونة على ظهره أثناء الرّحلة وقد قال في وقت لاحق إنّه يجهل كيف استطاع ذلك لكنّه قام بهذه المهمّة بفرحٍ كبير وأحسّ في أحيانٍ كثيرة أنّها هي الّتي كانت تحمله.
وبعد أسبوع في ليبافا، وُضع اللاجئون في سفينة شحن لترحيلهم من هناك وكانوا أكثر من 2000 شخصٍ وكان الطّيران السّوفيتي يقصف، ويقول سيرجي أنّ أكثر من 15 قذيفة وقعت إلى ناحية السّفينة اليُمنى وأكثر من 15 قذيفة وقعت إلى النّاحية اليّسرى، لكن لم تقع أيّة قذيفة على السّفينة، فاعتبر الجميع أنّ هذا كان بشفاعة والدة الإله وأيقونتها العجائبية الّتي كانت على متن السّفينة. رست السّفينة في "دانزج" (Danzig ) ومن هناك أُخذ اللاجئون في قطار من منطقة إلى منطقة هربًا من الخطر الشّيوعيّ.