ملخّص تعليم الكنيسة عن سر الثالوث
الأب جورج عطية
مادة العقائد
إننا نؤمن بحسب تعبير القديس يوحنا الدمشقي “بجوهر واحد وبألوهة واحدة في ثلاثة أقانيم متحدين بدون تشوش، ومتميّزين بدون انقطاع”.وفي الحقيقة فالأقانيم الثلاثة المتساوون في اللاهوت والأزلية والمجد، ذوو الجوهر الواحد وغير المنقسمين، ليسوا بحسب تعليم الكتاب والآباء كما يمكن أن نتصوّر أجزاء للألوهة أو نوعيات مختلفة فيها أو مظاهر أو أوجه لها، بل أن كل منهم قائم في حد ذاته، فلا يحيا أو يعمل الواحد منهم بصورة خاصة أو منفردة بل اتحاد كلّي مع الآخرين. لهذا فهم ليسوا ثلاثة آلهه، إنما إله واحد.من هنا قول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “اننا نسجد لوحدانية في ثالوث وثالوث في وحدانية تجمع بغرابة بين الوحدة والتمايز.فالوحدة تعني وحدة الطبيعة وتماثل الصفات والأفعال والإرادة، إذ أن كل واحد منهم هو في الآخر بدون تشوّش أو اختلاط كما يعبّر السيد نفسه في انجيل يوحنا “أنا في الآب والآب فيّ” (يوحنا14: 11).أما التمايز فلأن أقنوم كل منهم يتميز عن الآخر. فالآب هو غير الإبن وغير الروح القدس بالرغم من أن عند كل واحد منهم الألوهة بملئها. اله ورب هو الآب واله ورب هو الإبن واله ورب هو الروح القدس ولكنهم ليسوا ثلاثة آلهة أو أرباب، إنّما اله واحد إذ أن لهم كما قلنا الجوهر الإلهي والفريد بدون انقسام أو تجزؤ. لكن التمايز ليس بحسب الجوهر أو الطبيعة بل بحسب الأقنومية، لأن كل واحد من الأقانيم الثلاثة عنده الجوهر ذاته وإنما بطريقة تختلف عن الآخر. فالأقنوم الأول عنده الطبيعة الإلهية في ذاته أزلياً وبدون أن يقتبلها من أحد، الأقنوم الثاني يقتبل الوجود الإلهي أزلياً من الأقنوم الأول بالولادة، بينما الأقنوم الثالث بالإنبثاق. لهذا السبب يسمى الأقنوم الأول الآب، والأقنوم الثاني الإبن والأقنوم الثالث الروح القدس. ومميزات الأقانيم الثلاثة هي التالية: الآب: هو غير مسبب وغير مبتدىء وهو بالطبيعة يلد الإبن ويفيض (يبثق) الروح القدس بدون هيولية أو هوى أو زمن.
الإبن: يولد أزلياً من الآب بدون انقطاع وهو يقتبل لا قسماً من جوهر الآب كما يحصل في حال الولادة البشرية، بل كامل الجوهر أو الطبيعة الإلهية، لأن الآب يعطي كامل وجوده للإبن بدون أن يفقد شيئاً من وجوده هو. وهذا العطاء يتم منذ الأزل. فيولد الإبن من الآب بدون أن يفترق عنه البتة (مثال النار والنور، حيث يولد النور من النار بدون أن يفترق عنها وبدون أن تكون النار قبل النور).
الروح القدس: ينبثق أزلياً من الآب وبدون انقطاع، أمّا ماهية الفرق بين الولادة والإنبثاق، فلم نعطَ نحن البشر أن نعرفها.
بناء على هذا، فالإختلاف والتمايز في الأقانيم الثلاثة ليس في طبيعتهم أو جوهرهم إنما في الصفات غير المشتركة بينهم والتي تحدد كما يقول الآباء الكبادوكيون طريقة ووجودهم وعلاقتهم بين بعضهم البعض وهي بالضبط ما يسمّى بالصفات الأقنومية والتي هي بالنسبة للآب عدم الصدور من أحد الأبوة والإبثاق، بالنسبة للإبن الولادة، بالنسبة للروح القدس الإنبثاق. إذاً بمجرد أن نؤمن بالآب نؤمن معه في نفس الوقت بالإبن المولود وبالروح القدس المنبثق من الآب بدون بداية ولا زمن وبدون توقف وبطريقة غير قابلة للإدراك وبدون أن يوجد بينهم أول أو أخير.