2014-09-25 13:01:23
المرأة كرمز للمسيح- القديس نيقولاوس ڤيليميروڤيتش. (الجزء الأول)
الدراهم العشرة: السيّد في مظهر امرأة
هل يمكن أن تصدّق أن المسيح المخلّص صوّر نفسه بهيئة امرأة في اثنين من أمثاله؟ أحد هذين المثَلَين هو مثل
المرأة التي أخذت ثلاثة أكيال من الدقيق وصنعت عجيناً،
والمثَل الآخر الذي يخبرنا فيه عن المرأة التي كانت تملك عشرة دراهم وأضاعت واحداً منها.
هذان المثلان هما الأكثر سريّةً بين كل أمثال المخلّص.
بما أن مثل الدرهم الضائع قصير، نورد نصه هنا بالكامل:
"أَمْ أَيَّةُ امْرَأَةٍ عِنْدَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، إِذَا أَضَاعَتْ دِرْهَماً وَاحِداً، أَلاَ تُشْعِلُ مِصْبَاحاً وَتَكْنُسُ الْبَيْتَ وَتَبْحَثُ بِانْتِبَاهٍ حَتَّى تَجِدَهُ؟وَبَعْدَ أَنْ تَجِدَهُ، تَدْعُو الصَّدِيقَاتِ وَالْجَارَاتِ قَائِلَةً: افْرَحْنَ مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ الدِّرْهَمَ الَّذِي أَضَعْتُهُ. أَقُولُ لَكُمْ: هَكَذَا يَكُونُ بَيْنَ مَلائِكَةِ اللهِ فَرَحٌ بِخَاطِيءٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ" (لوقا 15: 8 - 9).
للوهلة الأولى يبدو هذا المثل بسيطاً، ولربما ساذجاً، لدرجة أنه لا يؤثر في قارئ الإنجيل. لكن، في الحقيقة، سرُّ الكون ينكشف في هذا المثل البسيط.
إذا أخذنا النص حرفيّاً، فإنه يثير الحيرة. فالمرأة خسرت درهماً واحداً فقط. ومع أن مبلغ عشرة دراهم ليس بالمبلغ الضخم، فإن امرأة تملك عشرة دراهم فقط لا بدَّ وأنها امرأة فقيرة بالفعل. فلنفترض قبل كل شيء أن إيجاد الدرهم المفقود يعني لها ربحاً كبيراً، مع ذلك ما يزال الأمر غريباً لأنه كيف من الممكن لها ما دامت فقيرة جداً أن توقد
سراجاً وأن تكنس البيت وأن تدعو فيما بعد كل الصديقات والجارات ليشاركوها فرحها. كل ذلك من أجل درهم واحد! كل هذه الخسارة للوقت وإشعال السراج وتكنيس البيت وترتيبه! وأكثر من ذلك فإنها ملزمة، حسب العادات في المجتمع الشرقي، أن تقدّم لصديقاتها وجاراتها اللواتي دعتهنّ مأكلاً ومشرباً وهذا ليس بمصروف قليل لامرأةٍ فقيرة، وإذا لم تقم بذلك فستكسر تقليداً لا يجوز تجاهله.
لا بد أيضاً من الانتباه لأمرٍ آخر. وهو أن المرأة لم تدعُ امرأةً واحدة فقط كي تقدّم لها بعض الحلوى مختصرةً بذلك مبلغاً كبيراً، إنما دعت الكثير من الصديقات والجارات، بحيث أنها ولو قدّمت لهم ضيافةً متواضعة فإن ذلك سيفوق كثيراً قيمة الدرهم الواحد الذي وجدته.
لماذا إذاً كانت تطلب هذا الدرهم بكل هذا الإصرار والكدّ ثم تفرح بإيجاده، طالما أنها ما دامت ستخسره ثانيةً وبطريقة أخرى؟ إذا حاولنا فهم هذا المثل حرفياً ، نجده لا يتفق مع إطار الحياة اليومية، وإنما يترك الانطباع بأن ثمّة أمر مبالَغٌ به ولا يمكن فهمه. لذا دعونا نكتشف مغزاه ومعناه السرّي. من هي المرأة؟ ولماذا هي امرأة وليست رجلاً حيث أن الرجل معرّض أكثر لاحتمال أن يفقد نقوده ضمن روتين الحياة الاعتيادي؟ وبيت من هو ذاك الذي تكنسه المرأة وتملأه بالنور؟ من هم صديقاتها وجاراتها؟ إذا نظرنا إلى المعنى الروحي بدلاً من المعنى الحرفي للمثل فسوف نجد الإجابات على كل تلك
الأسئلة. فالسيد قال: اطلبوا تجدوا.
تمثّل المرأةُ يسوعَ المسيح نفسه، ابن الله. والدراهم العشرة هي ملكه. هو من فقد واحداً منها وهو الذي يظهر أنه يبحث عنه. الدراهم ليست قطعاً نقدية ذهبية أو فضية.
بحسب اللاهوتيين الأرثوذكسيين، الرقم عشرة يمثّل الملء. الدراهم التسعة غير المفقودة هي مراتب الملائكة. عدد الملائكة يفوق قدرتنا على الاستيعاب، لأنه يتجاوز قدرتنا على الحساب. يمثّل الدرهم المفقود الجنس البشري بجملته. لذا ينزل المسيح المخلّص من السماوات إلى الأرض، إلى بيته، ويوقِد سراجاً، نور معرفته بالذات. عندما نظّف البيت، نقّى العالم من الدنس الشيطاني، ووجد الدرهم المفقود، أي الإنسانية الخاطئة والضائعة. بعدها دعا أصدقاءه وجيرانه (بعد قيامته المجيدة وصعوده)، أي كلَّ الجموع التي لا تُعدّ من الشيروبيم والسيرافيم، الملائكة ورؤساء الملائكة، وكشف لهم فرحه العظيم. افرحوا معي.
لقد وجدت الدرهم المفقود! هذا يعني: لقد وجدت أناساً لكي أملأ الفراغ في ملكوت السماوات، الناجم عن سقوط الملائكة المتكبّرين الذين ابتعدوا عن الله. في نهاية الأزمنة سيصل عدد هذه الأرواح التي وُجِدت وخَلُصَت إلى آلاف الملايين، أو بلغة الكتاب المقدس، سيكونون غير معدودين كنجوم السماء وكرمل الشاطئ.
وصفَ ربُّنا نفسَه كامرأة لأن المرأة أكثر انتباهاً من الرجل في الاعتناء بالممتلكات، وفي الحفاظ على ترتيب البيت واستقبال الضيوف. فإذا كان هذا المثل القصير الذي يتألف من جملتين فقط، يُفسَّر بهذه الطريقة، فمَن منّا لن يرتعش قلبه؟ لأنه يحوي بداخله مأساة العالم كلها المنظور وغير المنظور. يفسّر لماذا جاء ابن الله إلى الأرض.
إنه يلقي شعاعاً لامعاً من النور على تاريخ الجنس البشري وعلى مأساة وجود كل فرد. يضعنا بمواجهة قرارٍ مُلحٍّ، لأن حياتنا تمرّ بسرعةٍ خاطفة، قرار أن نكون ذاك الدرهم المفقود الذي وجده المسيح أو لا. المسيح يبحث عنا. هل سنختبئ منه، أم أننا سنتركه يجدنا قبل أن يحجبنا الموت عنه وعن العالم وعن الحياة؟
إنه سؤال حيوي وفي إرادتنا أن نقبل المسيح أو نرفضه. فبعد موتنا يتوقّف عن كونه أمرٌ للبحث، وعندها لن ينتظر أحدٌ منّا جواباً.
ترجمة راهبات دير سيدة البشارة حلب