عندما أُعلن اسم خورخي ماريو بيرغوليو للعالم من شرفة بازيليك القديس بطرس، نظر كثيرون إلى بعضهم البعض متفاجئين. وعلى الرغم من أنه كان مرشحاً للسدة البابوية في مجمع 2005، إلا أنه في هذه المرة كان خياراً غير متوقع، وبالتالي مجهولاً لمعظمنا. ومع أننا نتعرف الآن تدريجياً إلى البابا الجديد من خلال عظاته والتقارير الإخبارية، إلا أن كثيرين يتوقون لمعرفة المزيد. من أين أتى؟ من هو هذا الرجل الذي هو الآن نائب المسيح للكنيسة الجامعة؟
إن مراسل الفاتيكان أندريا تورنييللي هو كاتب السير الأول الذي يلبي طلب معرفة المزيد عن الرجل الذي هو الآن البابا فرنسيس. في حين أنه لا يمكن اعتبار كتاب "فرنسيس: بابا عالم جديد" سيرة ذاتية نهائية بما أن الكثير من تاريخه سيُرى في المستقبل، إلا أنه تعريف ثابت عن هذا الكاهن اليسوعي الإيطالي الأرجنتيني، تعريف يستند إلى مقابلات أجريت معه في الماضي ومواد نشرت مسبقاً وإلى إلمام الكاتب المباشر بالفاتيكان.
هذه السيرة الذاتية هي قراءة سهلة للجميع، سواء لكاثوليكي ملتزم أو لمراقب مهتم. فإن الفصول الثلاثة الأولى عن استقالة البابا بندكتس والمجمع السري هي مألوفة، تقريباً لكل الناس الذين يواكبون الأنباء منذ الأشهر الأخيرة. عندما بدأت أتساءل عما إذا سنصل إلى الشخصية الرئيسية لهذه السيرة الذاتية، أضاف تورنييللي تفصيلاً مثيراً للاهتمام عن المجمع السري ليأسرني من جديد. فإن إلمام تورنييللي بالفاتيكان، وعدد المصادر الصحفية التي استطاع جمعها عبر السنين، يضيفان مستوى من العمق لهذه السيرة الذاتية القصيرة. إضافة إلى ذلك، لم يجر تورنييللي فقط مقابلات مع بيرغوليو في الماضي، لكنه أيضاً شاركه وجبات الطعام، مما يعطي هذا الصحافي أفضلية على الآخرين الذين يندفعون لجمع صورة شاملة عن هذا البابا من "أقاصي العالم" (كما قال فرنسيس عن نفسه خلال ظهوره العام الأول على شرفة القديس بطرس).
إن فهم تورنييللي للبابا فرنسيس وطابع بابويته واضح منذ البداية. يكتب عن ردة فعل الناس على البابا فرنسيس: "يرون فيه واحداً منهم: شخصاً جاء ليخدم لا ليهيمن عليهم. إنه رجل جاء ليشارك، وليس فقط ليمارس سلطة مقدسة" (17). يسرد تورنييللي قصة يتشبث بها وهي أن البابا فرنسيس يريد كنيسة سلمية لأجل الفقراء ومن الفقراء (الدليل هو اختياره لاسمه البابوي).
يستمر في سرد قصة رجل يتحدر من أصول متواضعة ومن طبقة متوسطة. نعلم أن فرنسيس لم يكن لا غنياً ولا فقيراً، لكنه نشأ ليقوم بعمل جدي. فقد بدأ بالعمل في سن الثالثة عشرة ممضياً أياماً طويلة بين المدرسة وعمله في المصنع. يستقي تورنييللي هذه القصص عن حياة بيرغوليو الماضية من مقابلات مع أفراد عائلته ومن سيرة ذاتية إسبانية صدرت سابقاً عن بيرغوليو الذي كان آنذاك كاردينالاً بعنوان "El Jesuita" أي "اليسوعي".
يتبع تورنييللي خورخي ماريو بيرغوليو خلال سنواته كمراهق وحتى سماعه دعوة مختلفة من الله إلى الكهنوت، وحتى دخوله الرهبنة اليسوعية لتشديدها على الطاعة والتلمذة والعمل الرسولي. وفي سرده عن الفترة التي كان فيها بيرغوليو رئيس اليسوعيين في الأرجنتين، يبحث تورنييللي بخاصة في علاقة بيرغوليو مع الديكتاتورية الأرجنتينية متحدثاً عن براءته من الاتهامات القائلة بأن الأب خورخي كان متواطئاً في اعتقال كاهنين يسوعيين من قبل النظام الأرجنتيني.
يصوّر تورنييللي بيرغوليو خلال خدمته كأسقف وكاردينال كرجل يقدّر الرحمة ويرى في كل فرد لقاء مع المسيح. إن الروايات عن بيرغوليو – وضع خطاً مباشراً كأسقف لكي يتمكن جميع الكهنة من التواصل معه واستقل الحافلة ليرى الناس في الشارع – تظهر رغبته في حمل محبة الله للناس الذين يرعاهم. كما أن اهتمامه الشديد بالفقراء والمدمنين والمتألمين كان معروفاً مسبقاً في الأرجنتين، وهو الآن يُقدَّم كمثال للكنيسة عبر العالم.
مع ذلك، يبدو أن تورنييللي يخرج أحياناً عن دوره ككاتب سيرة ليؤدي دور كاتب افتتاحيات، مقدماً روايته لأحداث حياة بيرغوليو. يصف تورنييللي فهم بيرغوليو للكنيسة كـ "كنيسة الشعب التي يرغب بها بيرغوليو، الكنيسة التي "تسهل" إيمان الأفراد بدلاً من أن "تنظمه".
كذلك، يفسر تورنييللي إصرار بيرغوليو على نيل الأبناء سر العماد بغض النظر عن وضع أهلهم الاجتماعي، ويشدد على الغيرة الرسولية كخيار بيرغوليو لكنيسة بسيطة. يكتب تورنييللي: "لا يمكن للكنيسة، بالنسبة إلى بيرغوليو، أن تُكوَّن من نخبة. ولا يمكن أن تكون هناك كنيسة نقية أقلية مقابل كنيسة الجماهير المكتظة بذلك العدد الكبير من الأشخاص الذين تتكون الديانة المسيحية بالنسبة لهم من بعض الأمور البسيطة وبعض المبادئ العملية".
فيما يبدو واضحاً أن البابا فرنسيس يقدر البساطة، يبدو أن تورنييللي يسير على خط رفيع بين تقديم تفسير لأعمال بيرغوليو والتلميح ربما إلى أن تركيز بيرغوليو على الإنسان يتعارض بشكل ما مع تقليد الكنيسة الصحيح. يكتب تورنييللي: "لربما كانت لبعض مظاهر الكنيسة المنتصرة دلالة في الماضي. إنها اليوم تبدو بالتأكيد قديمة لا تتماشى مع الوعي المعاصر. وفي بعض الحالات، تكاد تعطي شهادة معاكسة. إنها تبعد الناس بدلاً من تقريبهم. البابا فرنسيس يجذب من خلال عفويته. وكما أثبتت ردة الفعل الاستثنائية التي صدرت عن كثيرين، فقد أصيب العديد من الناس بالدهشة من جراء عفويته وبساطته الاستثنائيتين" (38). ينبغي على المرء أن يقرأ بإحساس ليجد رؤية البابا فرنسيس للكنيسة، وليس فقط وجهة نظر تورنييللي.
في نهاية هذه السيرة الذاتية الوجيزة، يجد القارئ نفسه في الحاضر، بعد تنصيب البابا فرنسيس ليكون أبانا الأقدس. هذه السيرة الذاتية الأولية تفتقر أحياناً إلى المواد الجديدة، لكنها شاملة بشكل لافت نسبة إلى كتاب نشر بعد مجرد أسابيع من انتخاب البابا فرنسيس. من هو هذا الرجل الذي يجلس الآن على كرسي القديس بطرس؟ يقوم أندريا تورنييللي ببعض التخمينات البارعة، لكنه – على غرارنا – ينتظر ويراقب ويصغي فيما نبدأ رحلتنا مع البابا فرنسيس الذي يشجعنا معه على "السير في حضرة الرب، مع صليب الرب؛ وبناء الكنيسة على دماء المسيح التي سُفكت على الصليب؛ والمجاهرة بالمجد الأوحد: المسيح المصلوب" (201)